أقول : إنْ أُريد بالظنّ الظنّ الحاصل من الكتاب أو السنّة ، وهو المعبر عنه بالعلم العادي فحسنٌ ، إذ لا مشاحّة في التسمية. وإنْ أُريد به الظنّ الاجتهادي ، وهو ما لم يستند إليهما فمردودٌ ؛ للأخبار والآيات الناهية عن تجاوز ذينك الثقلين ، وأنّ المتجاوز لهما هالك بلا مين (١).
وقد يناقش فيما استدلّوا به من أنّ الظنّ المعتبر قد جعله الشارع عند عدم اليقين مناطاً لتكليفه ، بأنّ ذلك أنّما هو في موضوع الحكم لا في نفس الحكم.
فما قيل من أنّ المرء متعبّد بظنّه ، بأنّه إنْ صحّ فمحمول على العلم ، إذ إطلاق العلم على الظنّ كثير الاستعمال ، ومنه قوله تعالى ( وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ ) (٢) ، وقوله تعالى ( فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) (٣) إلى غير ذلك.
فإنْ قيل : كيف يكون المشهور حجّةً وإجماعاً ، ولا يكون ذلك إلّا مع تيقّن دخول قول المعصوم ، وهو لا يحصل إلّا مع عدم مرجِّح في الظاهر ، وهو لا يكون دليلاً وحجّةً وإجماعاً حتى ينصّ الإمام على الأخذ بها ، ولا ينصّ على الأخذ بكلِّ شهرة ، بل على شهرة معيّنة ، ولا نعرفها إلّا بنصب الإمام على ضدّها دليلاً صارفاً عنها. فإذا وجد المقتضي وهو أمره ، وعدم المانع وهو الصارف عنها ، وجب الأخذ بها وكانت إجماعاً لكشفها عن دخول قوله.
فكيف يتحقّق هذا ونحن نجد في كثير من أحوال الشهرة المقتضي وهو « خذ بما اشتهر » (٤) وهو صادق على أفراد الشهرة كلّها ، والمانع وهو أنّه قد تكون الشهرة التي يتناولها الأمر بالأخذ بها لم يجد زيدٌ في ضدّها المانع عنها ويجده عمروٌ.
فإنْ قلتم : هذا يتحقّق في حقّ زيد.
قلنا : هذا يكون من أفراد الإجماع المحصّل لا المشهوري ، وإلّا لم يتحقّق الإجماع المشهوري.
__________________
(١) المَينُ : الكذب. لسان العرب ١٣ : ٢٣٦ مين.
(٢) الأعراف : ١٧١.
(٣) الكهف : ٥٣.
(٤) غوالي اللئلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.