أُجيب : بأنّا أنّما نقول بالمشهوري إذا لم يمكنّا العثور على المانع ، وليس في وسعنا تحصيله ؛ لأنّا لا نكلَّف ما لا نقدر عليه ، وليس علينا التوقّف إذا لم نعثر مع استفراغ وسعنا على المانع ؛ لأنّا مأمورون بالأخذ بالمشهور ، فإنّه مجمعٌ عليه ولا ريب فيه ، وأمّا إذا وصل المانع إلينا إلّا إنّا لم نتحقّق كونه مانعاً ، فإنّ ذلك الإجماع الذي ندّعيه محصّل لا مشهوريّ.
ثمّ إنّ العلماء اختلفوا في حجّيّته ، فمن القائلين بحجّيّته الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، والشيخ محمّد ابن الشيخ عبد علي آل عبد الجبار ، والمحقّق القمّي في ( القوانين ) (١) ، وصاحب ( الفوائد الحائرية ) (٢).
وصرّح الشيخ محمّد المقابي في منتخبه بجواز مخالفته ؛ لأنّه عبارة عن اتّفاقهم على عدم ردّ الحكم المستفاد من أحد النصّين المتضادّين.
ولا يخفى ما فيه ، فإنّه وإن كان عبارة عمّا ذكر ، إلّا إنّه إذا علم منه دخول قول المعصوم في أقوال المشهور لا سبيل إلى الخروج عنه مع نصّ الإمام على الأخذ به.
وقال الشيخ البهائي في ( الزبدة ) : ( وقد يتجوّز في تسمية المشهور إجماعاً ، وقرّبه الشهيد في ( الذكرى ) (٣) .. ) (٤). انتهى. ولم يتعرّض له بنفي ولا إثبات.
واختار الشارح الشيخ جواد عدم الحجّيّة فيما بعد الشيخ ، بناءً على ما قاله بعض العلماء من : ( أنّ الشهرة إنّما تحصل بها قوّة الظنّ إذا كانت قبل زمن الشيخ لحصول الظنّ بحصول الحكم من الأئمّة ، وأمّا إذا كانت بعد الشيخ فلا اعتبار بها ؛ لأنّ أكثر الفقهاء الذين نشئوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليداً له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنّهم به ، فلمّا جاء المتأخّرون وجدوا أحكاماً مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه ، فظنّوا أنّها مشتهرة بين العلماء ولم يدروا أنّ مرجعها إلى الشيخ ، وأنّها إنّما حصلت بمتابعته ) (٥).
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغرابة والتعسّف ومزيد التكلّف.
__________________
(١) القوانين : ١٨٥.
(٢) الفوائد الحائرية : ٣١٢.
(٣) الذكرى : ٥.
(٤) زبدة الأُصول : ٧٢. ( مخطوط ).
(٥) معالم الأُصول : ٢٤٤.