والسلب في الآخر ، أو حكم بعض بالسلب الكلّيّ وبعض بالاقتسام ، فلا يجوز إحداث قول ثالث ؛ للجزم بأنّ المعصوم في أحد القولين ، فيكون الحقّ فيه والثاني باطلاً ، فبطلان الثالث بالطريق الأوْلى.
وذكر القولين من باب التمثيل والاكتفاء بأقلّ ما تحقّق فيه المسألة ؛ لأنّ الكلام يجري أيضاً في وقوع الاتّفاق على ثلاثة أقوال مع إحداث رابع ، كما صرّح به محقّق ( المعالم ) (١).
وهذا الحكم متّفق عليه عندنا ، والخلاف بين أهل الخلاف ، فجماعة وافقونا على عدم الجواز مطلقاً ؛ لاتّفاق الأُمّة على عدم التفصيل في مسألة العيب ، والثالث تفصيلٌ مخالف للإجماع فلا يجوز. وأُجيب بالمنع من اتّفاقهم على عدم التفصيل ؛ لأنّ عدم القول بشيء ليس قولاً بنفيه.
وأمّا الإماميّة فاحتجّوا بما تقدّم من أنّ مناط الحجّيّة اشتماله على قول المعصوم ، فإذا اختلفت الأُمّة على قولين كان الإمام مع أحدهما والآخر باطلاً ، فبطلان الثالث بالطريق الأولى.
وجماعة جوّزوا مطلقاً ؛ لأنّ اختلاف الأُمّة على قولين دليل على كون المسألة اجتهاديّة ، فالمجتهد يعمل فيها بما اقتضاه اجتهاده فيجوز إحداث الثالث.
وأُجيب بأنّ الاختلاف أنّما يدلّ على جواز الاجتهاد إذا لم يكن ثمة إجماعٌ مانع ، فإذا اختلفوا على قولين ولم يستقر خلافهم كانت المسألة اجتهاديّة ، فإذا أجمعوا على الثالث لم يبقَ اجتهادٌ.
وفصّل الحاجبي (٢) ومتابعوه بين ما إذا كان الثالث رافعاً لشيء متّفق عليه أو لا ، فلا يجوز على الأوّل ويجوز على الثاني ، ومثّلوا للأوّل بردّ البكر مجّاناً ، وللثاني بفسخ النكاح ببعض العيوب ، قالوا : لأنّه إذا رفع حكماً متّفقاً عليه كان باطلاً ، لمخالفته الإجماع فلا يجوز ، بخلاف ما إذا لم يرفع حكماً متّفقاً عليه ؛ لأنّه والحال هذه لم
__________________
(١) معالم الأُصول ( تعليقة سلطان العلماء ) : ٢٤٥.
(٢) عنه في القوانين : ١٨٨.