فيه أيضاً : « فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وسعك الاختيار » (١) ؛ إذ لا معنى لقوله عليهالسلام : « أو بهما جمعياً أو بأيّهما شئت » بعد قوله : « بأحدهما » ، إلّا إنّه بعد أنْ أخذ بأحدهما يجوز العدول عنه والأخذ بالآخر ، وإلّا اتّحدا مع قوله : « بأحدهما » ، فلا وجه للإتيان بعده بهما ولا يحصل الإذن بهما في زمان واحد. نعم ، يحصل الأخذ بأحدهما في زمان وبالثاني في آخر.
واحتجاجه بأنّ لله في كلّ واقعة حكماً معيّناً يصيبه مَنْ يصيبه ويخطئه مَنْ يخطئه ، لا أنّه يتغيّر بتغيّر اجتهاد المجتهد ، مردود بأنّ هذا ليس من هذا القبيل ، بل هو في كلا الحالين أخذ بما أمره به إمامه ، وقد تقدّم عنهم عليهمالسلام أنّ من المسائل ما يتعدّد حكمها ، وأنّ لكلّ ذلك عندهم تصاريف ومعاني توافق الحقّ ، كما مرّ في حديث عبد الأعلى (٢) ، ولعلّ ما فيه [ .. ] منها.
وقوله : ( فإذا اخترت واحداً لزمك حكمه وكان هو حكم الله ظاهراً فيما بينك وبين ربّك ) مردود بأنّ حكم الله لا يتعيّن باختيار المكلَّف ؛ إذ يلزم منه كون مراده تعالى دائراً مدار إرادة المكلَّف ، وهو من البطلان بمكان ، ولا يخفى أنّه إذا أمر الشارع بأمرين وعمل المأمور بأحدهما فقط لم يخرج من عهدة الأمر بالعمل بالأمر الثاني.
فإنْ قلت : كيف أذِنَ عليهالسلام بالتخيير مع أنّ الحكم لله واحدٌ؟.
قيل : مع الجهل بالحكم يسقط الأخذ به للاضطرار رفعاً لتكليف ما لا يطاق ، ولهذا جاز العمل بالتقيّة أيضاً ، فالحكم في مثله اضطراريّ. وأمّا ما ورد بالردّ والإرجاء فلا منافاة بينه وبين ما دلّ على التخيير في العمل من باب التسليم ، فلا يجوز الفتوى بأنّه حكم الله في الواقع وإنْ جاز الفتوى بجواز العمل به ، والعمل به أيضاً.
وقال الثقة الجليل حجّة الإسلام أبو منصور أحمد الطبرسي في ( الاحتجاج ) بعد إيراد خبر ابن حنظلة في التراجيح : ( جاء هذا الخبر على سبيل التقدير ؛ لأنّه قلّما يتّفق أن يرد خبران مختلفان في حكم من الأحكام ، موافقين للكتاب والسنّة ، وذلك
__________________
(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢١ / ٤٥.
(٢) المحاسن ٢ : ٦ / ١٠٧٥ ، البحار ٢ : ٢٤٣ / ٤٦.