لكونه جارياً منهم عليهمالسلام في الموضعين حفظاً لشيعتهم وصوناً لشريعتهم.
وشتّان بين الاختلاف الناشئ من قبل سادات الورى وبين الناشئ من قبل الآراء ، فإنّ الأوّل محمود ؛ لأنّه من باب التسليم ، وقد مرّ قول الصادق عليهالسلام : « خذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم » (١). والثاني مذموم ؛ لأنّه إتيان للبيوت من ظهورها ، كما ورد عن سدنة كعبة العلوم ، على أنّ الآراء تتعاكس والعقول تتناكس والأفهام تتشاكس.
وقد علم ممّا مرّ أنّ الاجتهاد المذموم هو المبنيّ على القواعد المحدَثة التي اخترعها أبو حنيفة ، وأمّا ما رووه خذلهم الله من أنّ المجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجرٌ واحدٌ (٢) ، فهو من موضوعاتهم ليؤيّدوا به اجتهادهم ، وعلى تقدير صحّته فهو محمولٌ على الاجتهاد في متعلّقات الأحكام في ردّ الفرع إلى الأصل المسوّغ العمل به ، لا في نفس الحكم بأنْ يجزم بأنّ هذا حكم الله.
وأمّا ما تستعمله أصحابنا من النظر في الكتاب والسنّة وردّ الفروع إلى الأُصول فقد أُمروا به فقالوا : « حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه » (٣) ، و « علينا أن نلقي إليكم الأُصول ، وعليكم أن تفرِّعوا » (٤) ، و « علينا إلقاء الأُصول وعليكم التفريع » (٥).
ولا معنى للتفريع إلّا إجراء أحكام الكلّيّات إلى جزئيّاتها ، بل قد يراد من إلقاء الأُصول إلقاء نفس الأحكام بالأُصول من الكلام التي يتفرّع عليها غيرها من متعلّقاتها ، ومن التفريع تفريع لوازمها وما يتعلّق بها كقولهم عليهمالسلام : « حرّمت الخمر لإسكارها » ، فيفرّع على هذا الأصل تحريم جميع المسكرات لوجود علّة الأصل التي هي سبب التحريم في الفرع ، من غير تعدّ لمنصوص العلّة وطريق الأولويّة والأخذ باللوازم الغير القطعيّة ، والأفراد الغير المجزوم بدخولها تحت القواعد الكلّيّة ، ولا إلى التأويلات الخياليّة ولا إلى الترجيح بغير المرجّحات المرويّة ، وغير ذلك ممّا لم يرد
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٨٦ / ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٨٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٣٨.
(٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٢٠٤. بالمعنى.
(٣) معاني الأخبار : ٢ / ٣ ، البحار ٢ : ١٨٤ / ٥.
(٤) السرائر ٣ : ٥٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٦١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٦ ، ح ٥١.
(٥) السرائر ٣ : ٥٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٦٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٦ ، ح ٥٢.