أتى لهم أصاب الصواب ومن استقلّ برأيه خاب ، وليس كذلك علمكم هذا السراب ، إذ لم يرد خبر واحد عن الأطياب ، أو ادّعى أحدٌ من العلماء الفضلاء أو الطلّاب أنّ علم المنطق له وجوه وظهور وبطون إلى سبعة أو سبعين ، أو فيه محكم ومتشابه كالكتاب ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار والألباب.
فلو ورد أو ادُّعي سلّمنا لكم وقلنا : هذا من ذاك القبيل ، ولزمنا معكم سلوك هذا السبيل ، لكنّه داخل في عموم ما لم يخرج عن أهل هذا البيت ، فهو باطل ومن ساحة القبول زائل.
ويكفي في بطلانه اعتراف ذويه بأنّ علومهم اليونانيّة ما دخلت على دولة شرعيّة إلّا أفسدتها وأوقعت الخلاف بين أهلها ، كما حكاه بعض علمائنا الثقات عن الصفدي :
( إنّ المأمون لمّا [ هادن (١) ] بعض ملوك النصارى أظنّه صاحب جزيرة قبرص طلب منه خزانة كتب اليونان ، وكانت [ عندهم (٢) ] مجموعة في بيت لا يظهر عليها أحد ، فجمع الملك خواصّه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك ، فكلّهم أشاروا بعدم تجهيزها إليه إلّا عالماً واحداً منهم قال : جهّزها إليهم ، فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعيّة إلّا أفسدتها وأوقعت بين علمائها ) (٣). انتهى.
وما أحسن قول الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي على ما نقله عنه الشيخ سليمان ابن عبد الله البحراني في بعض فوائده ، ما هذا لفظه : ( فعلى هذا يكون الزائد عمّا يحتاج إليه من العلوم الدينية كالمنطق والحكمة ، والرياضية والأدبية ، وغير ذلك كلّه فضل لا يضرّ مَنْ جهله ولا ينفع مَنْ علمه بنصّ الرسول والأئمّة ، بل يكون الاشتغال به في مثل زماننا هذا سفهاً وحراماً ، لإفضائه إلى ترك الواجب ، كما لا يخفى على مَنْ يؤمن بالله واليوم الآخر ) انتهى. وهو حقّ مبين وقويٌّ متين.
__________________
(١) في المخطوط : ( داهن ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) من المصدر.
(٣) الغيث المُسجم في شرح لامية العجم ١ : ٧٩.