لأنّه إنْ أراد بها الملكة الناشئة من ممارسة العلوم المصطلح عليها فالظاهر أنّه لا يقول به ، لكونها لا تستلزم الإصابة ؛ لأنّ قائدها وسائقها الظنّ والرأي وهو لا يقول بهما. ولعلّ في قولهم عليهمالسلام : « ليس العلم بكثرة التعلّم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يحب » (١) إشارة قوية إليه ، وعطفاً عليه.
وإنْ أراد غيرها وهي الناشئة من هداية السبيل والنفث في الروع وتعليم الله ، الناشئات من المجاهدة وإخلاص المودة والتقوى ، رجع إلى ما قلنا ، وانتفى اختراعها من العامّة العمياء ؛ لعدم شروطها فيهم كما لا يخفى على ذي حجاً.
وجعل بعضٌ (٢) الحقَّ التفصيل بين ما إذا كان الحديث نصّاً في معناه ، أو ظاهراً ولا له معارض ، أو له لازمٌ بيِّن اللزوم ، أو فرد بيِّن الفرديّة ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، بأنْ كان مجملاً ، أو له معارضٌ ، أو فردٌ أو لازم غير بيِّنَي الفردية واللزوم. فأثبت الاحتياج لها في الثاني ونفاه في الأوّل ، ومثّل للأوّل بقوله : « إذا بلغ الماء كرّاً لم ينجِّسه شيء » (٣).
قال : فإنّ مَنْ علم بمعاني المفردات والهيئة التركيبيّة منه يحكم بسهولة بأنّ الكرّ من الماء لا ينجس بالملاقاة.
وللثاني بالحكم باندراج الكرّ الملفّق من ماءين نجسين بالملاقاة في الحديث المذكور ، وعدمه حتى يكون طاهراً على الأوّل نجساً على الثاني.
ومنهم مَنْ شرط مع هذا كلّه أنْ يكون عالماً بعلوم البلاغة والفصاحة من المعاني والبيان والبديع.
وفيه ما تقدّم من أنّه أنّما يبحث فيها عن الزائد على أصل المراد ، فالأوّل يبحث فيه عن الأحوال التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال ، والثاني يبحث فيه عن إيراد
__________________
(١) البحار ١ : ٢٢٥.
(٢) هو الشيخ محمّد المقابي رحمهالله. ( منه ). عالم فاضل محقّق ، والمقابي نسبة الى قرية مَقَابا من قرى البحرين ، انتهت إليه الرئاسة الدينية وفوضت إليه الأُمور الحسبيّة والقضاء ، لؤلؤة البحرين : ٨٨ ٩٠.
(٣) الكافي ٣ : ٢ / ١ ، ٢ ، التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، الوسائل ١ : ١٥٨ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٩ ، ح ١ ، ٢. وفيهم : « إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء ».