المخصّص ، جاز له العمل بالعامّ.
وهذا لا يتمّ إلّا بإحراز وثاقتهما وكمال عدالتهما ، كما لا يخفى على اولي الأفهام.
وأمّا اختلافُ المسلكين والمشربين فإنّه لا يكاد يخفى على ذي عين ، ولكنّه لا يوجب تباين المذهبين ، ولا خروج إحدى الفرقتين عن طريق النجاة ومذهب الفرقة المحقّة الذي هو مذهب الأئمّة الهداة ؛ لأنّ الخلاف في الأُصوليّة والأخباريّة كالاختلاف الواقع بين المجتهدين في المسائل الأُصوليّة التي تُبنى عليها الفروع الفقهيّة ، كالصحيحيّة والأعميّة والاشتغاليّة والبراءتيّة.
ولقد أجاد صاحب الفصول في كلامه مع صاحب القوانين ، حيث صرّح بعدم الضرر في هذا الاختلاف بأوضح تصريح وتبيين ، ولا بأس بنقله بطوله ؛ لما فيه من الكلام المتين ، قال رحمهالله : ( وأمّا التشكيكُ الذي أورده على تعيين المجتهد المطلق ، فضعفه ظاهرٌ ؛ لأنّ الإجماع منعقدٌ على أنّ مَنْ كان له ملكة معرفة الأحكام واستنباطها عن الأدلّة المقرّرة على وجه يعتدّ به في عرف أهل الصناعة ، واستجمع لبقيّة الشرائط ، مجتهدٌ مطلق يجب عليه العملُ بمقتضى نظره ، أُصوليّاً كان أو أخباريّا أو متوسط الطريقة ؛ إذْ عند التحقيق لا فرق بين هذه الفرق الثلاث إلّا من جهة الاختلاف في جملةٍ من الطرق ؛ كمصير الأخباريّة إلى عدم حجّيّة الكتاب والعقل ، وحجّيّة جميع أخبار الكتب الأربعة ، وعدم الاعتداد بكثير من الدلالات الخفيّة ونحو ذلك ، ومصير الأُصوليّين إلى خلاف ذلك.
ولا ريب أنّ مثل هذا الاختلاف موجودٌ بين كلّ فرقة من هذه الفرق الثلاث ، كاختلاف الأُصوليّين في حجّيّة خبر الواحد وأنواعه ، والاستصحاب ، والإجماع المنقول ، والشهرة ، والمفاهيم ، ونحو ذلك. فالاختلاف الذي بينهم ليس بأقلّ من الاختلاف الذي بينهم وبين الأخباريّين ، إلّا إنّهم لم يصطلحوا في هذا الاختلاف على تسمية صاحب كلِّ قولٍ باسم مخصوص كما اصطلحوا هناك ، وهذا لا مدخل له في مرحلة الحجّيّة.