عن غيره (١).
وأمّا الثاني ؛ فلإطلاق العلم عليه ، بل صرّح بعض بأنّ تسميته به مستفيضة ، لكن لمّا لم يرد إطلاقهما عليه سبحانه منعناهما ، ولمّا ورد إطلاق العليم والحسيب عليه ووصفه بهما أجزناهما وإنْ كان أحد معانيهما الظنّ المحتمل للنّقيض.
وأمّا ما احتجّ به من رجوع الظنّ حينئذٍ بالآخرة إلى التردّد.
ففيه : أنّ احتمال النقيض لا يخرج الظنّ من حيث هو عن قاعدته الكلّيّة المقرّرة من رجحان أحد طرفي النسبة إيجاباً أو سلباً على الآخر إلى قاعدة الشّك التي هي التردّد بين الطرفين الخالي عن الترجيح في البين ، إذ عدم التردّد مأخوذ في حقيقة الظنّ ، كما أنّ التردّد مأخوذ في حقيقة الشكّ عرفاً وإنْ كان في أصل اللغة بمعنى : الريب (٢) ، الذي هو خلاف اليقين.
ولهذا منع بعضُ المحقّقين من جعل الشكّ مقولاً بالتشكيك على التساوي والرجحان ، حيث قال : ( وربّما جعله بعضهم مقولاً بالتشكيك على التساوي وعلى الظنّ أيضاً ، وهو ما احتمل الإيجاب والسلب مع رجحان ، وهو بعيد عن العرف ). انتهى.
فكما أنّ الشكّ من حيثُ هو بحسب وضعه الأصلي لا يكون ظنّاً ، كذلك الظنّ من حيث هو بحسب وضعه الأصلي لا يكون شكّاً ، وإذا انتفى التردّد في الظنّ بحسب المعنى الموضوع له أوّلاً وبالذات فانتفاؤه فيه حال صرفه إلى العلم اليقيني المطابق للواقع أوْلى.
وأمّا إطلاق الظنّ على الشكّ فبحسب الاشتراك اللفظيّ المعلوم بالقرينة الخارجة عن نفس الوضع ، لا أنّ معناه الشكّ الذي هو التساوي ، ألا ترى أنّه كما يقال على اليقين والشكّ يقال أيضاً على الكذب والتهمة.
__________________
(١) انظر : البلد الأمين : ٥٨٩.
(٢) لسان العرب ٥ : ٣٨٤ ريب.