فالأوّل كقوله تعالى ( وَإِنْ هُمْ إِلّا يَظُنُّونَ ) (١) ، والثاني كقوله تعالى ( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (٢) وقولك : ( ظننت فلاناً ) بمعنى : اتّهمته ، ولهذا لم يطلب مفعولين (٣).
فلو كان مجرّد استعمال أحد المعاني المشتركة مكان الآخر يستلزم الاتّحاد للزم اتّحاد هذه الماهيّات ، وخرج من حيّز الاشتراك إلى فضاء الترادف ، ولبطل تقسيمهم الذكر النفسي أو الاعتقاد أو التمييز على اختلاف الآراء إلى العلم والظنّ والشكّ والوهم ، وتعريفهم العلم بالتمييز الذي لا يحتمل النقيض لا في الواقع ولا عند الذاكر. والظنّ بالتمييز الرّاجح. والشكّ بالتمييز المساوي. والوهم بالتمييز المرجوح.
وهذا بحمد الله غنيٌّ عن التأكيد ، كما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وأمّا قوله : إنّ ما نقلناه عن ( القاموس ) بمعزل عن المسئول عنه.
فلا يخفى على الناقد الخبير والعارف النحرير ، أنّه بمعزل عما ذكره ، وناءٍ عن صقع ما قرّره ، ومنطبق على ما قلناه ومؤكّد لما استثناهُ ؛ لأنّ قوله في ( القاموس ) : ( وهبني فعلتُ ، أي : احسُبْني فعلتُ واعدُدني ) (٤) فِعْلا أمر من حَسِب بكسر السين وعدّ القلبيّين المتعدّيين إلى مفعولين ، وهما في المثال ضمير المتكلّم والجملة الفعليّة ، وحذف الجملة من اعددني لدلالة الأُولى عليها ، لا من الحساب والعدّ بمعنى الإحصاء ؛ لأنّ فعلهما لا يتعدّى إلّا إلى مفعول واحد ؛ ولهذا اشترط النحاة (٥) في تعدّي ( حسب وعدّ ) للمفعولين ألّا يكونا بمعنى الحساب والإحصاء ، وعباراتهم بهذا واضحة الدلالة ، طافحة المقالة ، ظاهرة في المراد ظهور الغَزَالةِ (٦).
__________________
(١) البقرة : ٧٨.
(٢) التكوير : ٢٤.
(٣) قال الشيخ أبو علي : قرأ أهل البصرة وابن كثير والكسائي ( بظنين ) بالظاء ، والباقون بالضاد ، والحجة : الظنين المتهم ، من قولهم : ظننت ، أي اتهمت ، لا من ظننت المتعدي إلى مفعولين ، إذ لو كان منه لكان لا بدّ من ذكر المفعول الثاني ، ومن قرأ بضنين : فهو من الضن البخل. مجمع البحرين ٦ : ٢٧٥ ٢٧٦.
(٤) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.
(٥) شرح ألفية ابن مالك ( ابن الناظم ) : ١٩٧ ١٩٨ ، النهجة المرضيّة في شرح الألفيّة ١ : ١٥٥.
(٦) الغَزَالة : الشمس ، وقيل : هي الشمس عند طلوعها. لسان العرب ١٠ : ٦٦ غزل.