الثاني ، والثالث : كونها بمعنى ( احسَب ) و ( اعدُد ) القلبيّين.
الرابع : كونها بمعنى ( اعتقد ).
الخامس : كونها بمعنى ( اجعل ).
أمّا الأربعة الأُولى فمحقّقة الورود ، وأمّا الخامس فعلى احتمال مرجوح ، بل منظور فيه كما يحكم به صريح عبارة الجواب ، لِمَنْ كان من اولي الألباب.
فإنّي بعد أنْ ذكرت المعاني الخمسة قلتُ : إلّا إنّ في الأخير إشكالاً ، إلى أنْ قلت : ويمكن الجواب عنه بأنّ قصارى ذلك عدم الوقوف عليه ، إلى أنْ قلت : إلّا إنّ فيه أعني : الجواب الممكن نوع تأمّل لا يخفى على المتأمّل بالتأمّل التّام.
إلى أنْ قلت : وحينئذٍ فحاصل المعنى : فإنْ علمتني صابراً ، أو فإنْ وقع في علمك إنّي أصبر على عذابك ، إلى آخر ما ذكرته هناك.
وكلّ هذا صريح في أنّ معنى اجعل غير مراد ، كما لا يخفى على فطن درّاك.
وأمّا قولي : ويجوز جعلها بمعنى : ( اجعل ) إنْ ثبت تصرّف ماضيه ، فلا يدلّ على إرادته كما لا يخفى على نبيل نبيه ؛ لأنّه من باب القياس الاستثنائي ، وهو ما كان عين النتيجة أو نقيضها مذكوراً فيه بالفعل ، والمراد هنا الشق الثاني ، وترتيب تقرير الدليل منه هكذا : إنْ ثبت تصرّف ماضي ( وهب ) بمعنى : جعل ، جاز كون ( هب ) هنا بمعنى : اجعل ، لكنّه لم يثبت ، فلم يجز.
ألا ترى أنّ نقيض النتيجة ، وهو قولنا : جاز جعلها بمعنى : ( اجعل ) ، مذكور في القياس الاستثنائي ، كما لا يخفى على مَنْ له أدنى معرفة بالحكم المنطقي ، فيؤول المعنى إلى قولنا : يجوز جعلها بمعنى : ( اجعل ) إنْ ثبت تصرّف ماضيه ، لكنه لم يثبت ، فلم يجز.
وهل بين هذا الكلام وبين الدلالة على الجواز إلّا ما بين الأهواز وشيراز ، وإنّما طوّلت بذكر كلماتٍ من الجواب حذراً أنْ يقف على إيراده مَنْ لم يقف على كلامنا فيه ، فيقع في باله أنّ إيراده في حيّز القبول والصواب.