وثانياً : أنّ قوله : ( وكلاهما مترادفان في المعنى بحسب ظاهر عبارته ) ، كلام خالٍ عن التحصيل فيا ليته لم يسطّره في التسجيل.
أمّا أوّلاً ؛ فلما قرّرناه من أنّ معنى ( اجعل ) غير مراد أصلاً ، لا في التفريع ولا التأصيل.
وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ ( اجعل ) من أفعال التصيير ، و ( احسب ) من أفعال القلوب ، من الحسبان بمعنى : العلم والإيقان. وأين ذلك من الترادف؟! ولا ينبّئك مثل خبير.
وأما قوله : وهو بحسب النظر لا يصلح نسبته له عليهالسلام إلى قوله ـ : لاستحالة اجتماع الأضداد.
ففيه ، أوّلاً : أنّ المعنى الذي قدّره مبنيٌّ على جعل ( هب ) بمعنى : ( اجعل ) ، وقد عرفت ما فيه.
وثانياً : انّه لو صحّ جعلها بمعنى : ( اجعل ) لم يؤول معناها إلى الالتماس ، وإنّما يؤول إلى الفرض والتنزّل ؛ لأنّه المتعارف من معانيها بحسب المحاورات الخطابيّة والمعهود بين أهل العربيّة ، فيصير حاصل المعنى على تقدير الثبوت : فإنْ جعلتني صابراً على عذابك ؛ بأنْ أعطيتني القوّة على احتمال ذلك ، وأوزعتني الصبر على ما يصدر عليّ من جنابك ، فكيف أصبر على فراقك؟ لأنّه أعظم عليّ من جميع ما هنالك. وإنّما كان أعظم عليه لما قرّرناه في تلك المسالك.
وثالثاً : أنّ تعجّبه عليهالسلام وجعلني فداءه من الآلام من الصبر على الفراق والنظر إلى كرامة الخلّاق ، وذكره لمثل هذا الكلام المشتمل على تلك المشاق ، ليس لكونه عالماً من نفسه الاستحقاق أو مشكّكاً فيه وفي عدمه ، كما لا يخفى على مَنْ له مِنَ المعرفة أدنى خلاق. كيف وهو القائل : « لو كُشفَ الغطاء ما ازددتُ يقيناً » (١)؟! ( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (٢).
وإنّما الوجه في صدور هذه الكلمات منه ومن أبنائه المعصومين الهداة ما ذكرناه
__________________
(١) غرر الحكم ودرر الكلم : ٥٦٦.
(٢) النساء : ١١٢.