في متن الجواب ، كما لا يخفى على اولي الألباب ، وليس صدور مثل هذا الكلام وما كان أعظم منه بمراتب ؛ من الخضوع والخشوع والتذلّل بين يدي الملك العلّام ، ببدع منه ومن أبنائه عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، كما شهدت به أدعيتُهم وأورادُهم الواردة في ذلك المقام ، ممّا تكلّ عن إحصائه الأقلام. والله أسأل العصمة من زلل الأفهام والتوفيق لإزالة الإبهام.
وأمّا قوله : وتقديره سلّمه الله تعالى فإنْ جعلتني صابراً .. إلى آخره ، بعد قول الإمام عليهالسلام : « فاجعلني صابراً على حرّ نارك » (١).
ففيه : أنّ هذا الكلام ليس من كلام الجواب ولا من كلام الإمام ، ويا ليت شعري من أين استفاده وأيّ لفظ أفاده؟! وكأنّه أراد قولنا : فحاصل المعنى : فإنْ علمتني صابراً .. الى آخره. فغيّره لوجه لا نعلمه ، والله العالم العاصم.
وأمّا قوله : كأنّه من باب تعديل كلام الإمام إلى قوله ـ : وهذا ممّا لا يليق بشأنه عليهالسلام.
ففيه ، أوّلاً : أنّ هذا أنّما هو من باب التأويل ، وهو بابٌ واسع في العربية لا تُحصى شواهده ولا تُقْتَنَصُ شوارده ، سيّما في القرآن المجيد والفرقان الحميد ، ولا يخفى على اولي الإتقان أنّ كلامهم عليهمالسلام كالقرآن ، كما صُرِّح به في غير مكان (٢).
وثانياً : أنّ التأويل لو أخلّ بالفصاحة والبلاغة للزم خروج القرآن عن حيّزهما واتّصافه بخلافهما ، واللازم باطلٌ فالملزوم مثله في البطلان. وبيانُ الملازمة غنيّ عن الإفصاح والبيان ، ظاهر لكل إنسان. أَلا ترى ما وقع في كثير من الآيات من الوجوه المتعدّدة والأقوال المختلفة ، وتكثّر التأويلات ، كقوله تعالى ( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) (٣).
حيث إنّ القاعدة المقرّرة ل ( لو ) أنّها إذا دخلت على مثبوت كان منفيّاً وبالعكس ، ولهذا حكموا بخروج قول امرئ القيس :
__________________
(١) مصباح المتهجد : ٧٧٨ ، باختلاف.
(٢) البحار ٧ : ٣٢٤ ، و ٣٩ : ٢٧٢ ، و ٧٩ : ١٩٩.
(٣) الكهف : ١٠٩.