سرى عنه همّه وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين عليهالسلام خنقته العبرة ، ووقعت عليه البُهرة (١) ، فقال ذات يوم : إلهي مالي إذا ذكرت أربعةً منهم تسلّيتُ بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين عليهالسلام تدمع عيني ، وتثور زفرتي. فأنبأه الله تعالى عن قصته ، فقال ( كهيعص ) (٢) .. إلى آخره.
فإنْ قيل : إنّ قلوب المؤمنين كما لا تنسى ذكره عليهالسلام كذلك لا تنسى ذكر آبائه وأبنائه الكرام ، فَلِمَ اختصّ هذا التشبيه به دونهم عليهمالسلام؟.
قلنا : إنّ المؤمن إذا راجع وجدانه ، واستشهده على ما أراد بيانه ، يشهد له بمزيد مزيّة ، وزيادة خصوصيّة ، لا توجد عند ذكر غيره من سادات البريّة ، كما يشهد له الخبر السابق في سؤال زكريا عليهالسلام عن تلك القصّة ؛ وذلك لما اختصّ به عليهالسلام من الكروب والآلام التي لا جرت ولا تجري على غيره من الأنام ، ممّا تضيق عن ذكر بعضه الدفاتر وتكلّ الأقلام.
ولذا اختصّ عليهالسلام بما سمعت عن العترة بأنّه : « عبرة المؤمنين » ، و « قتيل العبرة » ، فإنّ آباءه وأبناءه عليهمالسلام إذا نزل بهم الحمام سارع أولياؤه إلى تنجيز إقبارهم ؛ بتغسيلهم وحفر قبورهم ، والحسين عليهالسلام بعد أنْ وقع عليه ما وقع من تلك الأُمور العظام صار جسده الطاهر ملقىً في الظاهر على وجه الثرى مزمّلاً بالدماء ، فشبّه ترميله بدمه الكاسي لجميع بدنه الشريف بحال تغسيله ، فكأنّه عليهالسلام مغسّل عوض الماء بالدماء ، وشبّه تعفيره على التراب حتى استوعب جميع أعضائه بالكفن الساتر لجميع أجزائه ، فكأنّه مكفّن بالثرى.
ولهذا قال الشاعر :
غسّلوه بدم الطعنِ وما |
|
كفّنوه غير بوغاء الثرى (٣) |
ولمّا بقي على تلك الحال المشتمل على تلك الأهوال التي أحرقت قلوب
__________________
(١) البُهْرَة : انقطاع النفس من الإعياء. القاموس المحيط ١ : ٧٠٧ باب الراء / فصل الباء.
(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ٤٦١ ، الإحتجاج ٢ : ٥٢٩ ، البحار ٤٤ : ٢٢٣ / ١.
(٣) أدب الطف ٢ : ٢٠٧.