إمّا لسهولة العلم وظهور مقدّماته ، فيناسبه تقديمه في التعليم لسهولة تحصيله ؛ ليقوى استعداد المتعلّم للعلوم ويحصل له ملكة في الإدراكات.
وإمّا لكون أدلّته أحكم وأقوى وأبعد عن الخطأ ؛ ليعتاد الطالب بعدم الإذعان إلّا بعد وضوح البرهان وكمال الإيقان ، وذلك كتقديم العلوم الرياضيّة على سائر الفنون الحكميّة.
وإمّا لتقدّم الموضوع والغاية رتبةً ، كتقدّم علم النحو على الصرف ، وهما على علوم البلاغة.
وقد يكون لتوقّف العلم المتأخّر عليه :
إمّا لاشتماله على مبادي غيره ، فيتوقّف المصرّح بمسائله عليه ؛ لاشتماله على إثبات مواد المقدّمات المأخوذة في أقيسة العلم الآخر ، كتقدّم علم الأُصول على الفقه. أو على إثبات الموضوع للآخر ، كتقدّم العلم الإلهي على الطبيعي والرياضي.
وإمّا لاشتماله على كيفيّة النظر والاستدلال ، كتقدّم المنطق على غيره.
وحيث ثبت هذه الترتّبات والتقدّمات وإنْ كانت قد تختلف باختلاف المقامات فلا بدّ للشارع في علمٍ من معرفة مرتبته ؛ ليقدّم ما حقّه التقديم ، ويؤخّر ما حقّه التأخير ، لئلّا يخالف قوانين الحكيم البصير ، ولا ينبّئك مثل خبير.
إذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ لهذا العلم حدّين باعتبار ماله من المعنيين ، ولا ريب أنّ المقصود هنا أنّما هو المعنى الأفرادي العلمي لا التركيبيّ الإضافيّ ، ولكن قد جرى السلف رضوان الله عليهم على بيان تعريفه بكلا المعنيين ؛ إمّا لبيان المناسبة كما هو الحقّ ، أو دعوى الانطباق في المصداق ، كما حاوله جماعة ؛ لصحّة إرادة كلّ منهما ؛ لعدم الهجر عند الإطلاق ، بل ربّما ادُّعي علميّة لفظ الأُصول مضافة إلى الفقه له.
وحيث لا يعرف الإضافيُّ إلّا بمعرفة المتضايفين ، والمعنى النسبيّ بينهما وهو الإضافة ، ضرورة توقّف المركّب من حيث هو مركّب على معرفة أجزائه من حيث