لا يصدر من العقلاء ؛ لقضاء العقل الصحيح بأنّ الشارع في فعل اختياري لا بدّ أن يعتقد أوّلاً أنّ في ذلك الفعل فائدة ما ، سواء كان جزماً أو ظنّاً راجحاً أو مرجوحاً ، وإلّا لامتنع الشروع فيه ، لأنّ الأفعال الاختيارية لا تصدر عن فاعلها إلّا بعد تصوّر الفائدة المترتّبة عليها.
وما يقال من أنّ كثيراً من الأفعال الاختياريّة قد تصدر بدون ملاحظة الفائدة وتوهّمها كالملاعبة باللحية ، فهو ممنوع ؛ لترتّب بعض الفوائد عليها عند الفاعل وإن لم يعتدّ بها غيره ، لأنّ المدار في الفائدة المعتدّ بها على اعتقاد الفاعل ، سواء اعتدّ بها في نفس الأمر أو لا ، ولا بدّ مع اعتقاد مطلق الفائدة أو الفائدة المعتدّ بها عنده من اعتقاد أنّها هي الفائدة المترتّبة على ذلك الفعل ، وإلّا لربّما زال اعتقاده بعد شروعه فيه ؛ لعدم المناسبة بين معتقده وشروعه ، فيصير سعيه عبثاً في نظره ، بخلاف ما إذا علم الفائدة المعتدّ بها المترتّبة عليه ، فإنّه يرغب فيه تمام الرغبة ، ويجتهد في تحصيله غاية الاجتهاد ، ويعتدّ له نهاية الاعتداد.
وأمّا توقّفه على معرفة مرتبته ؛ فلأنّ لبعض العلوم تقدّماً على بعضٍ باعتبار الأُمور الطارية عليها بعد اشتراكها في القدر الجامع لها ، وهو الشرف من حيث العلميّة ، والاطّلاع على الأُمور الخفيّة ، وذلك قد يكون بحسب الشرف ، وقد يكون بحسب التعليم.
والأوّل يختلف بحسب اختلاف الموضوعات في الشرف ، فإنّ للعلوم باعتبار موضوعاتها ثلاث مراتب : باعتبار كون الموضوع في بعضها أعمّ من موضوع جميع العلوم ، أو أعمّ من بعض وأخصّ من بعض ، أو أخصّ من موضوع الجميع.
فالأوّل أعلى ، والثاني وسط ، والثالث أدنى. وشرفها بحسب مراتبها واختلاف الغايات وشدّة الحاجات وقوّة الدلالات ، كعلم التوحيد بالنسبة إلى علم الفقه ، وكهما بالنسبة إلى غيرهما.
وقد يكون التقديم والتأخير فيه استحسانيّاً.