بخلاف العلوم النظريّة.
وما يقال : من أنّ علمه تعالى لمّا كان على الوجه الأتمّ ومنوطاً بالغرض الأهمّ ، لزم أنْ يعلم الأشياء بعللها ، ولأنّه لمّا كان لعلمه بذاته الذي هو سبب العلم بمعلوماته صحّ كون علمه عن الدليل.
ففيه : أنّ علمه تعالى أنّما يكون سبباً لا دليلاً ، وأين السبب من الدليل؟ فالتسوية بينهما خروج عن سواء السبيل.
وكذا ما قيل من عدم خروج العلوم المذكورة ، إذ يصدق عليها أنّها علم بالأحكام الحاصلة عن الأدلّة ولو كان حصولها عند المجتهد ، لأنّ الظرف متعلّق بالعلم لا الأحكام ، وعدم الصدق حينئذ لا يخفى على أولي الأفهام ، وكون قيام الاحتمال كافياً في إبطال الاستدلال ما لم يكن راجحاً أو مساوياً في غاية الإشكال ، على أنّ المأخوذ عن الأدلّة أنّما هو التصديق ، فهو شاهد على تعلّق الظرف بالعلم لا الأحكام.
وأمّا تعلّقه بها ، فهو إنْ صحّ متوقّف على إضمار مقدّر خاصّ ، وهو خلاف الظاهر ، ولات حين مناص. أو باعتبار الحيثيّة المرتبطة بالعلم في المقام ، فيكون المراد العلم بالأحكام المستنبطة عن الأدلّة من حيث إنّها مستنبطة عنها ، كما أجاب به بعض الأعلام ، مضافاً لما أسلفناه من استناد تلك العلوم للأسباب ، لا الدليل ، وهو حاسم لمادّة القال والقيل.
وأمّا ما ناقش به المحقّق التقي في إخراج العلم بالضروريّات عن الحدّ المذكور بالقيد المزبور ، من أنّ المراد بكونها ضروريّةً ضروريّة لصدورها عن الرسول ، لا ضروريّة كونها أحكاماً ثابتة واقعيّة صحيحة حقيّة لابتنائها على أُمور نظريّة ، كإثبات الرسالة المبتنية على إثبات المرسل وعدله وحكمته ، وغير ذلك من الأُمور المتوقّفة على البيان وإقامة البرهان.
فيمكن الجواب عنه :
أوّلاً : بعهديّة إضافة الأدلّة كما اعترف به في آخر كلامه لعدم استفادة العلم بها