مجرّد تعدّد الدليل لا يستلزم التفصيل.
وأُورد عليه : بأنّ ذلك الدليل الإجمالي بعينه موجود للمجتهد ، وهو : هذا ما أدّى إليه ظنّي ، وكلّ ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي. وبأنّه دليل للعمل لا للعلم ، كما أنّه في حقّ المجتهد كذلك ، فلا يصحّ الاحتراز.
وأُجيب : عن الأوّل بالفرق بينهما ، فإنّ للمجتهد مع هذا الدليل الإجمالي أدلّة تفصيليّة بخلاف المقلِّد ، وكونه كذلك ممنوع بما مرّ.
وعن الثاني باقتضاء وجوب العمل بشيء العلم بأنّه حكم الله في حقِّه.
والحقّ أنّ هذا الاحتراز أنّما يتمّ على جعل الإضافة جنسيّة ، أمّا إذا جعلناها عهديّة كما هو الظاهر الذي اعتمده جمع من الأكابر فيخرج بقيد الأدلّة ؛ لكون دليله ليس منها ، فيكون قيد التفصيليّة توضيحيّاً لا احترازيّاً ، واحترز به بعض المحقّقين عن العلم بالأحكام الإجماليّة لاستنادها إلى الأدلّة الإجماليّة ، والعلم المستفاد منها ليس فقهاً بل هو العلم بالأحكام الإجماليّة عن الأدلّة التفصيليّة.
وفيه : أوّلاً : أنّ العلم بها ليس فقهاً ، كما اعترف به بنفسه ، إذ المراد من العلم بالأحكام أنّما هو معرفة آحادها على سبيل التفصيل ، فما ذكره لم يدخل أصلاً حتى يحتاج إلى الإخراج.
وثانياً : أنّ العلم بها أنّما يستند إلى الضرورة ، كما اعترف به ، والعلم المستند إليها لا يسمّى في العرف مستنداً إلى الدليل ، وعدّها من جملة الأدلّة خلاف ما قرّروه في معناها ، فتعجّبه من غفلة الفحول غير مقبول ، بل هو عليه مقلوب.
ومنه يظهر أيضاً ضعف ما ذكره آخر من إخراج علم المقلّد ، وما يقال في علم الخلاف من إثبات المدّعى بالمقتضي ونفيه بالمانع من دون تعيينهما ، حيث إنّ الأدلّة المذكورة فيه إجماليّة ، لأنّ أدلّة علم الخلاف ليست أدلّة للأحكام وإنْ كانت إجماليّة ، إذ لا يتوصّل بقواعده إلى الاستنباط بل إلى حفظ المستنبطات أو هدمها مع