كما ترى ، بل قصارى ما ينشأ منها ـ على فرض التسليم ـ إنّما هو الظنّ أو الوثوق بها ، ولو سلّم فالملازمة بين القطع بوثاقة الراوي والقطع بصدور روايته بعينها واضحة المنع ، كيف وهو لا يستقيم إلاّ بإحراز امور لا يفي بثبوتها مجرّد وثاقته المقطوع بها.
منها : القطع بصدق الإسناد من أوّل السند إليه الّذي لا يتأتّى إلاّ بعد القطع بصدق الوسائط ، وأيّ قضاء لوثاقة الراوي بهذا الأمر؟
ومنها : القطع بأنّه إنّما رواها عن مشافهة للإمام المرويّ عنه ، ولعلّه عوّل في ذلك على الأمارات اجتهادا وهو غير مأمون من الخطأ وإن فرضت الأمارات بالقياس إليه مفيدة للقطع ووثاقته غير منافية له ، أو حذف الواسطة الّذي بينه وبين الإمام على حدّ ما يصنعه الرواة من الإرسال تعويلا منه على صدقه أو وثاقته وهو قد لا يكون موثوقا به عندنا لو عثرنا على حاله ، ولا ملازمة بين وثوقه بصدقه أو وثاقته ووثوقنا بهما ، كما أنّه لا منافاة بين وثوقه بهما ووثاقته.
ومنها : القطع بعدم طروّ السهو والنسيان أو سبق اللسان له في نقل الرواية أو إسنادها إلى الإمام عليهالسلام.
وأيّ طريق إلى ذلك؟ مع ملاحظة أنّ وثاقته إنّما تمنع التعمّد على الكذب لا سائر الاحتمالات المشاركة لاحتماله في منع حصول القطع بالمطابقة.
والمفروض أنّ أقصى ما يوجبه الاصول المقرّرة لرفعها ـ على فرض تسليمه ـ إنّما هو الظنّ أو الوثوق بعدمها وهو دون القطع.
وبالجملة فصغرى الدليل المذكور فاسد الوضع من وجوه شتّى ، مع توجّه المنع إلى كبراه أيضا ، فإنّ القطع بصدور هذه الرواية ـ بعد تسليمه ـ ربّما لا يرفع الحاجة إلى الرجال بالمرّة ، لجواز كونها إنّما صدرت على جهة التقيّة ، أو كونها ممّا عارضها ما كان قد صدر على تلك الجهة مع القطع بصدورهما معا ، فهما حينئذ إمّا أن يتراجحا فلا بدّ من الترجيح بإعمال المرجّح من الأعدليّة أو الأصدقيّة أو الأفقهيّة أو غير ذلك ممّا ورد في النصوص ولا تعرف إلاّ بمراجعة الكتب الرجاليّة ، أو يتعادلا إلى أن ينتهي الأمر فيهما على التخيير أو الطرح أو الوقف ثمّ الرجوع فيهما إلى الاصول على الخلاف في المسألة ولا مناص أيضا عن مراجعة الكتب الرجاليّة إحرازا للتعادل وفقد المرجّحات.
وبالجملة لا مناص عن المراجعة المذكورة في مقام المعارضة الّذي لا يتأتّى القطع