بصدور المتعارضين معا ، وإنّما ينافي القطع بكون مؤدّى كلّ منهما حكما واقعيّا ، فكيف يدّعى الاستغناء عنه؟
وقد يوجّه الدليل المذكور بما لا يجدي نفعا في إصلاحه وهو : أنّ الظاهر أنّ مراد الفاضل المذكور بالراوي هو الأصل ، فحينئذ لا احتياج إلى العلم بحال باقي السند إذا علم وجود الحديث في الأصل المنقول عنه ، وقد كانت الاصول كلّها أو جلّها موجودة عند الصدوق ، والعلم بعدم افتراء أرباب الاصول كلّهم أو معظمهم وبعدم افتراء الصدوق ليس بعزيز ، والغلط والسهو وإن كانا كالطبيعة الثانية لكن بملاحظة حال الراوي وجلالة شأنه قد يحصل العلم العادي بعدمهما.
وفيه : منع وجود الاصول كلّها أو جلّها عند الصدوق ليقطع به أخذه الرواية عن أحدها كما ربّما يقويه ما عن فهرست الشيخ من قوله : « ولم أظنّ أنّي أستوفي في ذلك كلّه ، فإنّ تصانيف أصحابنا واصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقصى الأرض » انتهى (١).
ولو عمّم في الدعوى المذكورة بالنسبة إلى جميع المشايخ الثلاث رضوان الله عليهم فكيف تصدّق بالنسبة إلى الشيخ فيما يرويه من الروايات في كتابيه التهذيبين بعد ما عرفت منه من التصريح بخلافها ، فلو سلّم وجود جلّ الاصول عند الصدوق فكيف يقطع بكون الرواية الموجودة في كتابه ممّا أخذه من الأصل الموجود عنده ، لجواز كونه أخذه من غير أصله أو معنعنا عن مشايخه.
قال الوحيد المتقدّم ذكره : « والظاهر أنّهم كانوا يروون كذلك أيضا وما كانوا يقتصرون على الرواية من الاصول » انتهى.
هذا لكنّ الإنصاف أنّ ذلك بالقياس إلى فقيه الصدوق مكابرة ، لتصريحه في أوّله : « بأنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن عليّ الحلبي ، وكتب عليّ بن مهزيار الأهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد » إلى آخره (٢).
نعم يرد عليه : أنّ القطع بوجودها في الاصول على فرضه كيف ينفع في القطع بصدورها عن الإمام عليهالسلام مع عدم القطع بصدق جميع هذه الاصول ولا بصدق كلّ واحد واحد من الأخبار الموجودة في كلّ واحد منها ، ودعوى القطع من هذه الجهة غير مسموعة جدّا ،
__________________
(١) الفهرست : ٤.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣.