وكونها ممّا عليها المعوّل وإليها المرجع حسبما شهد به الصدوق في عبارته المتقدّمة أعمّ من القطع المذكور من الجهتين كما لا يخفى ، خصوصا مع ملاحظة كون جملة من أصحابها كذّابين أو متّهمين أو معروفين بالكذب ، ووجود الأخبار الكاذبة في اصول غيرهم من المعتمدين بدسّ الوضّاعين وتخليط المعاندين للملّة الحقّة وصادعيها الأئمّة المعصومين ، فإنّ ذلك لو لم يكن مقطوعا به فلا أقلّ من احتماله القائم الكافي في منع حصول القطع بصدور جميع الآحاد ، خلافا لبعض متأخّري المحدّثين كصاحب الحدائق في إنكاره قيام الاحتمال أيضا ، فإنّه في مقدّمات الحدائق تصدّى لدفع طريقة أصحابنا المتأخّرين في تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة بعد ما تخيّل منهم أنّ منشأه حصول الاختلاف وكثرة المبائنة ووفور المعارضة ما بين أخبارنا الموجودة الاخر ، وكان ذلك مظنّة توهّم أنّ هذا الاختلاف الكذائي إنّما نشأ من جهة اختلاط الأخبار الكاذبة بالأخبار الصادقة فاضطرّوا إلى هذا التنويع ليتميّز به الأخبار الصادقة عن الكاذبة ، فأخذ رحمهالله بدفع التوهّم ومنع الاختلاط قائلا ـ ممّا ملخّصه ـ : « منع كون أخبارنا اليوم مشتملة على الكاذبة بل كلّها مقطوع بصدورها ، لأنّ قدماء أصحابنا المحدّثين وسلفنا الصالحين رضوان الله عليهم صحّحوا الأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام ونقّحوها وأخرجوا عنها الأخبار الكاذبة ، فهذه الأخبار الّتي بأيدينا اليوم وصلت إلينا مصفّاة منقاة ، فلا يمكن حينئذ توهّم دخول الأخبار الكاذبة فيها » (١).
وفيه ـ مع أنّه يعارضه ما عن بعض المحقّقين من أنّه كان الواجب على القدماء إيراد القطعيّات وغيرها مع ما يحصل به التمييز بين المعتمد وغيره من ذكر رجال أسانيد الأخبار وقد فعلوا ذلك ـ : أنّ إخراجهم الأخبار الكاذبة ليس إلاّ باجتهادهم والضرورة قاضية بأنّ الاجتهاد غير مأمون من الخطأ ، فلو سلّمنا ارتفاع علمنا الإجمالي بوجود الأخبار الكاذبة فيما بين أخبار الأئمّة بذلك على فرض ثبوته فارتفاع احتمال الوجود غير مسلّم ، كيف وقيامه من ضروريّات الوجدان المغني عن تجشّم إقامة البرهان.
وللوحيد المتقدّم ذكره كلام لطيف في هدم هذا البنيان يعجبني نقله بعين عبارته ، فإنّه قال في جملة كلام له : « ومع ذلك كثير من أصحاب الكتب المشهورين ورد فيهم عن المشايخ المعتمدين العارفين الماهرين أنّهم وضعوا الحديث كذّابون مثل وهب بن وهب القرشي ،
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ١٤ ـ المقدّمة الثانية.