ولو اريد به ما دون ذلك فكيف ينهض قرينة على الصدور بعنوان القطع ، والاكتفاء بالوثوق الحاصل من جهته على فرضه اعتراف بلزوم مراعاة الرجال في موضع انتفاء هذا النوع من القرينة.
هذا مع أنّ الغالب في التعاضد حصول مراعاته في مقام الترجيح وهو كثيرا مّا لا يجدي نفعا في الترجيح لو لا انضمام قرائن اخر إليه من صحّة طريق البعض ونحوها ، بل ربّما يترجّح الطرف المقابل بقرائن اخر من صحّة طريقه وأعدليّة رجاله ونحوها ، ولا ريب أنّ هذه القرائن لا تستفاد غالبا إلاّ بمراجعة الرجال.
وثالثها : نقل الثقة العالم الورع في كتابه الّذي ألّفه لهداية الناس ، ولا يكون أصل رجل أو روايته على ظنّ مع تمكّنه من استعلام حال ذلك الأصل أو تلك الرواية وأخذ الأحكام بطريق القطع عنهم.
وفيه أوّلا : منع إطلاق دعوى كون كلّ ثقة إنّما ألّف كتابه لهداية الناس ، لجواز كونه إنّما ألّفه لدواع آخر ، وإن شئت لاحظ ما عن عدّة الشيخ التصريح : « بأنّ إيراد رواية لا يدلّ على اعتقاده بها ، ويجوز أن يكون إنّما رواها ليعلم إنّه لم يشذّ عنه شيء من الروايات » (١).
وممّا يصدّقه على هذه المقالة ما عن عليّ بن حسن بن فضّال في ترجمة حسن بن عليّ بن أبي حمزة : « من أنّه كذّاب ملعون رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلى آخره ، إلاّ أنّي لا استحلّ أن أروي عنه حديثا واحدا » (٢).
وما في ترجمة محمّد بن سنان : « أنّ أيّوب بن نوح دفع إلى حمدويه دفترا فيه أحاديث محمّد بن سنان ، فقال : إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا فإنّي كتبت عن محمّد بن سنان ولكن لا أروي لكم عنه شيئا » (٣).
وما في خصال الصدوق بعد ما روى عن عائشة وغيرها نصوصا مستفيضة متضمّنة لفعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ركعتين بعد العصر وركعتين بعد الفجر ـ من قوله : « كان مرادي بإيراد هذه الأخبار الردّ على المخالفين ، لأنّهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة ، فأحببت أن ابيّن لهم أنّهم قد خالفوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله وفعله » (٤).
وما في أوّل فقيهه من قوله : « وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلاّ يكثر طرقه
__________________
(١) غدّة الاصول ١ : ١٣١.
(٢) رجال الكشي : ٥٥٢ رقم ١٠٤٢.
(٣) رجال الكشي : ٣٨٩ / ٧٢٩.
(٤) الخصال : ٧١.