وإن كثرت فوائده ، ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد ما رووه ، بل قصدي إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي » (١) ، إلى آخره.
وبالجملة فالمستفاد من كلمات هؤلاء الأساطين وغيرهم أنّه ليس كلّ كتاب يؤلّف في الحديث كان الغرض من تأليفه الهداية بحيث عمل به مؤلّفه أيضا فضلا عن كونه معتقدا بصدقه أو صحّته ، كيف وقد يكون الثقة يؤلّف كتابه محتويا للأحاديث مطلقا ليفرّغ نفسه عند الحاجة إلى الاجتهاد فيراجعه حينئذ ويستند إلى صحاحه بعد ما ميّزها عن ضعافها ، ويعتمد على ما يصلح للاعتماد عليه ويترك ما لا يصلح لذلك ، وقد يؤلّفه لغرض الهداية لكن لا بمعنى أن يعمل به المتأخّر كيفما اتّفق وبجميع ما فيه ، بل بصحاحه بعد مراعاة التمييز بينها وبين ضعافها ، لعلمه بأنّ له طريقا في ذلك وهو مراجعة الكتب الرجاليّة ، بل هو بنفسه ربّما يتصدّى لتأليف ما ينفعه في مقام التمييز كما أشار إليه بعض المحقّقين في كلام محكيّ له وقد تقدّم نقله ، وقد يكون هو ممّن لا يجوّز العمل بأخبار كتابه لعدم افتقاره إليها أو لمنعه العمل بأخبار الآحاد لكن يؤلّف الكتاب لعلمه بأنّ الحوائج تختلف والمذاهب في أخبار الآحاد تتعدّد ، فربّما يحتاج المتأخّر إلى كتابه وهو قد يكون ممّن يرى العمل بأخبار الآحاد جائزا من باب التعبّد لدليله التامّ في نظره أو من باب الظنّ خصوصا أو عموما ، فلا ملازمة بين نقله الأخبار ـ ولو لغرض الهداية ـ وكونها في نظره قطعيّة.
ويشهد بذلك كلّه ما سمعته عن فقيه الصدوق من قوله : « بل قصدت إيراد ما افتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي » وعلى فرض قطعه فهو له بحسب اجتهاده الغير المأمون عن الخطأ.
وممّا يرشد إلى جميع ما قلناه جريان عادة أصحاب كتب الحديث على ضبط أسانيد الأخبار المنقولة في كتبهم ، حتّى أنّ الصدوق مع حذفه الأسانيد باعتذار ما سبق منه وضع رسالة منفردة عن الفقيه لضبط طرق رواياته المنقولة فيه وهي موسومة عندهم بالمشيخة ، فلو أنّ الروايات بأجمعها كانت قطعيّة في نظرهم أو كان قطعهم بالصدور أو الاعتبار كافيا في حصول القطع بأحد الأمرين لم يكن لهم غرض يدعوهم إلى تحمّل هذه الكلفة.
وبجميع ما ذكر يتبيّن ما في قوله : « مع تمكّنه من استعلام حال ذلك الأصل » إلى آخره.
مضافا إلى توجّه المنع إلى أصل التمكّن ، وعلى فرضه فقد يتعسّر على وجه يسقط
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢.