مسألة القبلة موضوعا للحكم وإن خالف الواقع ، فالقبلة الّتي يجب الصلاة إليها في حقّ كلّ مكلّف ما اعتقده قبلة وإن لم يكن كذلك في الواقع.
وبالجملة التصويب بمعنى مطابقة اعتقاد كلّ من المجتهدين المختلفين في العقليّات لنفس الأمر ممّا لم يصحّ النزاع في عدم جوازه ، لتأديته إلى اجتماع النقيضين أو الضدّين وهو غير معقول.
فإن قلت : لو كان مجرّد تأدية القول بالتصويب في العقليّات وما بحكمها ـ في عدم تحمّل الواقع للتعدّد ـ إلى اجتماع النقيضين أو الضدّين موجبا لعدم صحّة النزاع فيه لسرى ذلك إلى الفرعيّات أيضا ، والتالي باطل.
أمّا الملازمة : فلمكان محذور الاجتماع على القول بالتصويب فيها أيضا كما هو أحد حجج القائلين بالتخطئة.
قلت : ما يلزم من محذور الاجتماع في غير الفرعيّات ـ على القول بالتصويب فيها ـ إنّما هو بالنظر إلى أصل الواقع ولذا كانت الملازمة فيه بيّنة ، بخلاف ما أورد على التصويب في الفرعيّات ، فإنّه إن سلم من المنع الواقع في كلام غير واحد ـ على ما ستعرفه مع سنده ـ مفروض في الاعتقاد المتعلّق بالحكم من حيث تعدّده بالظنّية والقطعيّة ، ولذا قرّرت الملازمة : بأنّ المجتهد إذا ظنّ بشيء جزم وقطع بأنّ حكم الله في حقّه ذلك ، ضرورة علمه بأنّ كل مجتهد مصيب ، وإذا قطع استمرّ قطعه إذا الأصل بقاء كلّ شيء على ما هو عليه ، واستمرار القطع مشروط ببقاء ظنّه ، للإجماع على أنّه لو ظنّ غيره وجب الرجوع ، فيكون ظانّا عالما بشيء واحد في زمان واحد فيلزم اجتماع النقيضين ، ضرورة اقتضاء القطع عدم احتمال النقيض واقتضاء الظنّ احتماله.
وهذا المحذور على تقدير لزومه وعدم اندفاعه هنا إنّما يلزم بملازمة نظريّة غير بيّنة فلا يبعد في مثله وقوع النزاع في ملزومه ، لإمكان الغفلة من قائله عن الملازمة بينه وبين لازمه ، بخلاف ما هو في محلّ الكلام فإنّه إنّما يلزم بملازمة واضحة بيّنة لا تكاد تخفى على ذي مسكة ، فإذا كان اللازم أمرا غير معقول بحكم البداهة كان القول بالملزوم أيضا ببداهة الملازمة أمرا غير معقول.
وينبغي القطع أيضا بعدم كون خلاف الجاحظ وصاحبه في القضيّة الثانية ، وهو الحكم بكفر الذاهب إلى خلاف الحقّ إذا كان نفيا لملّة الإسلام وما هو بمثابته بإجراء أحكام