الخطاب بالعلم ، والأوامر الواردة به في الكتاب والسنّة ومعاقد الإجماع من نحو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) وقوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ) ونحو ذلك من الآيات ، فإنّه يقضي باقتدار عامّة المكلّفين في الاصول على إدراك الواقع والوصول إليه دفعا لقبح التكليف بغير المقدور.
ويدفعه : أنّ هذه الخطابات وإن كانت مطلقات إلاّ أنّها من قبيل القضايا التكليفيّة المعلّقة على الشروط الأربع المقرّرة بحكم العقل والسمع للتكليف الّتي منها القدرة على الامتثال ، فتكون كأشباهها ونظائرها من الخطابات الواردة في الفروع كـ ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) مخصوصة بواجدي الشرائط ، فهي مطلقات لفظا ومقيّدات معنى ، فلا يظهر من مجرّد إطلاقها شمولها لعامّة المكلّفين لينهض شاهدا بانتفاء القصور رأسا ، وأصالة الإطلاق في الأمر ـ حسبما تقرّر في محلّه ـ الّتي يرجع إليها في مواضع احتمال التقييد إنّما تسلّم بالقياس إلى الشروط الاخر الزائدة على الشروط الأربع ، فالخطاب التكليفي حينئذ لا يعلم إطلاقه إلاّ حيث صادف الجامع للشروط بأجمعها ، ومن المستحيل حينئذ إحراز وجود الشروط بإطلاقه.
وما عساه يتوهّم من خروج خطابات العلم والمعرفة من سياق الأشباه والنظائر وضابطة الخطابات المشروطة ممّا لا محصّل له ، إلاّ بأن يرجع إلى دعوى أحد الأمرين : من منع الاشتراط بالقياس إلى هذه الخطابات بالخصوص فهي مطلقة بحسب اللفظ والمعنى معا حتّى بالقياس إلى فاقدي الشروط كلّها أو بعضها ، وهي ـ مع أنّها لا تنفي وجود القاصر وأنّها خلاف الفرض كما يشهد به خروج الصبيّ والمجنون منها ـ تخصيص في حكم العقل وغيره من القاطع المثبت للاشتراط فيكون محالا.
أو دعوى مصادفة هذه الخطابات اجتماع الشروط بأسرها بالنسبة إلى عامّة المكلّفين على معنى كون كلّ مكلّف في الاصول حاويا لشروط الامتثال ، وهي مجازفة لا يلتفت إليها في نظائر المقام مع قضاء ضرورة الوجدان بفسادها.
فإن قلت : يمكن الاستدلال على نفي القصور بقاعدة اللطف الّتي هي من دليل العقل ، بتقريب : أنّه كما يشتمل الفروع على مصالح ومفاسد يجب على الله تعالى من باب اللطف إرشاد العباد إليها فكذلك الاصول مشتملة عليها ، بل مصالح الفروع فرع من مصالح الاصول ، وكما أنّ اللطف الواجب في الفروع يقتضي جعل التكاليف وإرسال الرسل وإنزال الكتب