ونصب الأوصياء وغير ذلك ممّا لا يتمّ اللطف إلاّ به ، فكذلك في الاصول يقتضي جعل التكليف بتحصيلها ونصب الأدلّة الموصلة إليها وتمكين المكلّفين من معرفتها ، وهذا يقتضي عدم وجود قاصر وإلاّ لم يتمّ اللطف.
قلت : هذا كلّه صحيح ولكن وجود الدليل المنصوب الصالح للإيصال لا يلزم وجوب إيصاله إلى المطلوب ، سيّما إذا استند عدمه إلى فقد شرط أو وجود مانع كما في أسباب القصور المتقدّمة الّتي مرجعها إلى أحد الأمرين.
لا يقال : إنّ التمكين من معرفة الدليل المنصوب والتوصّل به إلى المطلوب تتميما للّطف الواجب عليه تعالى يقتضي إيجاد الشروط المفقودة ودفع الموانع الموجودة.
لأنّه إنّما يقتضي الإيجاد والرفع فيما يستند فقده من الشروط ووجوده من الموانع إليه تعالى ، بحيث لو لا إيجاده ما فقد من الشرط ورفعه ما وجد من المانع كان إخلالا منه باللطف الواجب عليه ، وميزانه كون خلاف اللطف مسندا إليه ، وأمّا ما لا يستند إليه من فقد الشروط أو وجود الموانع بل إلى غيره كما في أسباب القصور المتقدّمة ـ كما يكشف عنه حديث : « كلّ مولود يولد على الفطرة » ـ فليس الإيجاد والرفع فيهما ولو بنحو الغلبة والإكراه من اللطف الواجب عليه ، لما أخذ فيه من عدم انتهائه إلى حدّ الإلجاء ، بل ربّما أمكن المناقشة في جوازه فضلا عن وجوبه لرجوعه إلى الجبر المستحيل عليه تعالى.
ولو قيل : إنّ الإجماع انعقد على تكليف العباد بالوصول إلى الواقع وهو غير قابل للتخصيص ، ويلزم منه إطلاق التكليف بحسب الواقع مطلقا.
لقلنا : إنّ القدر المسلّم من الإجماع إنّما هو تكليف الجامعين للشروط من العباد بالوصول إلى الواقع وإطلاق التكليف بالنسبة إليهم مسلّم ، ولا يلزم منه كون كلّ أحد من آحاد العباد جامعا للشروط ، وهذا ليس من باب التخصيص بل تخصّص.
وبالتأمّل في جميع ما ذكر يعلم أنّه لا يمكن نفي القصور رأسا فيما بين نوع المكلّفين في الاصول بشيء من الوجوه المتقدّمة في أدلّة قول الجمهور.
أمّا الوجه الأوّل بكلا تقريريه : فبما اتّضح عند منع التمسّك بقاعدة اللطف.
وأمّا الوجه الثاني : فبأنّ ثبوت التكليف بالإيمان لنوع اليهود والنصارى وغيرهم من فرق الكفر معلوم ، بل هو من أوّل البعثة إلى يومنا هذا ضروريّ الثبوت ، وهذا لا ينافي خروج بعض آحاد النوع لقصور وغيره ، إذ ليس المراد إثبات القصور لجميع آحاده ليكون ذلك حجّة عليه.