ولا ريب أنّ تكليف النوع لا ينافي قصور بعض الآحاد ، وذمّهم على إصرارهم على عقائدهم أيضا كان متوجّها إلى النوع.
ولا ريب في تقصير أكثر آحاده ولا سيّما الموجودين في عصره صلىاللهعليهوآلهوسلم المشاهدين لآياته وبيّناته ، ومن البعيد عادة بل المستحيل عقلا بقاء اعتقادهم الأصلي التقليدي مع هذه الحالة وعدم تزلزل النفس في معتقدها ، فلا يكون الإصرار حينئذ إلاّ عنادا أو تساهلا في ملازمة النظر ومواظبة الجدّ ، فالأكثر كانوا مقلّدة بهذا المعنى الغير المنافي لقصور الأقلّ ، مع أنّ في قضيّة كونهم عرفوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا المعجزة ـ لو سلمت عن المنع ـ اعترافا بالقصور في الأكثر ، ومعه فأيّ شيء يصحّح توجّه التكليف والذمّ إليهم إلاّ على رأي مجوّزي التكليف بغير المقدور إذا كان ممّا يتأتّى عادة.
وأمّا الوجه الثالث بكلا تقريريه : فبأنّ الإجماع على أهليّة النار في قاطبة الكفّار موضع منع ، فانتفى دلالته على نفي القصور فيهم رأسا ، وعموم القتل أو القتال للقاصرين منهم في موضع الاشتباه أو مطلقا لحسم مادّة الكفر وسودة الضلال لا يعدّ ظلما إذا أدّى عدمه إلى استيلاء أهله على المسلمين ، أو اقتضاه مصلحة أقوى من مصلحة بقائهم ، أو كان طريقا إلى اختيار أقلّ المحذورين.
وأمّا الوجه الرابع : فبأنّ الآيات المشار إليها مخصوصة بحكم العقل القاطع بالمقصّرين من الكفّار الّذين يصحّ توجّه الخطاب إليهم.
وهذه القضيّة ممّا لا كلام فيها ولا ملازمة بينها وبين كون كلّ واحد من آحاد الكفّار مقصّرا ، والآيات ليست مسوقة لبيانه ، وعموم الحكم المستفاد منها فرع على ثبوت موضوعه على جهة العموم ، ولا تعرّض فيها لإثبات العموم من هذه الجهة فلم يعلم إرادة العموم منها باعتبار الحكم أيضا ، غاية ما هناك قيام ظهور في ذلك ولا ريب أنّ الظاهر يخرج عنه بالقاطع.
وأمّا الوجه الخامس : فبأنّ غاية ما يستفاد منها ـ بعد تسليم كون المجاهدة مرادا بها الاجتهاد ـ أنّ غير المهتدي لم يجتهد وأمّا أنّه مقصّر فلا ، ضرورة أنّ نفي الاجتهاد ليس إثباتا للتقصير بل ربّما يجامعه القصور ، مع توجّه المنع إلى كون المراد من « السبل » نفس الواقع في المعارف ، وإلى كون المراد من « المجاهدة » هو الاجتهاد ، ومن الآية إعطاء حكم في الدنيا ، وتفصيل هذه الجملة : أنّ من المحتمل كون الآية وعدا بمجازاة الخير في دار