الآخرة لمن صدر عنه الخير وهو المجاهدة في دار الدنيا ، سواء اريد بها مخاصمة أعداء الانس وجنود الكفر والضلال ، أو مدافعة خصماء النفس وجنود الشيطان ، أو استفراغ الوسع في طلب المعارف الحقّة ، أو بذل الجهد في تحصيل العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، فيراد بالسبل إمّا مراتب القرب وشوؤنه وطرقه المختلفة بحسب اختلاف مراتب المجاهدة ، أو طرق الجنّة وبالهداية الإيصال إلى السبل بأيّ معنى اخذت ، هذا مع إمكان كون المراد بها الّذين يتحمّلون المشقّة بأبدانهم ونفوسهم بمواظبة الطاعات والعبادات أو بأموالهم ونفائسهم لمزاولة الخيرات والمبرّات طلبا لمرضاتنا لنوصلنّهم مراتب القرب أو طرق الجنّة ، مع احتمال ما عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره من : « أنّ معنى « جاهدوا فينا » صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لنهدينّهم سبلنا أي لنثبتهم ».
وما قيل من أنّ معناه : والّذين جاهدوا في إقامة السنّة لنهدينّهم سبل الجنّة.
وما قيل أيضا أنّ معناه : والّذين يعملون بما يعلمون لنهدينّهم إلى ما لا يعلمون.
وما قيل أيضا أنّ معناه : بيان أنّ المجاهدة للنفس بزجرها عمّا تشتهيه وعدم الجري على مقتضى هواها الفاسدة وتعريضها معرض طلب الحقّ والصواب يفضي إلى الفوز بالاهتداء إلى طريق الله المستوي وصراطه المستقيم.
وهذه المعاني كما ترى ممّا لا تعلّق لها بإصابة كلّ مجتهد للواقع ، ولا يكون كلّ مكلّف لم يصل إلى الواقع مقصّرا اجتهد أو لم يجتهد ، كما لا ينافي وجود القاصر فيما بين المكلّفين في موارد تكليفهم اصولا كانت أو فروعا من المسلمين كانوا أو غيرهم من فرق الكفّار والمخالفين.
بل قصارى ما يقتضيه على المعنى الأخير أنّ طلب الحقّ بطرق المكاشفة المبنيّة على تحمّل الرياضات الحقّة المشروعة أدخل بالوصول إلى الواقع ، أو أنّه دائم المصادفة له ممّن يقدر عليه ، ومن الظاهر أنّ هذا طريق لم يقع التكليف شرعا بسلوكه في اصول ولا فروع خصوصا في حقّ عامّة المكلّفين ، غاية ما هنالك أنّ المجتهد بالطريق إذا راعى مع اجتهاده مجاهدة نفسه وزجرها عمّا ليس فيه رضى الله سبحانه يلزمه الوصول إلى الواقع بمقتضى الآية على تقدير هذا المعنى ، وهذا ممّا لا مدخل له بنفي القصور عمّا بين قاطبة المكلّفين ، خصوصا بعد ملاحظة أنّ سلوك هذا المسلك ليس شرطا لصحّة الاجتهاد ولا تحصيل المعارف الحقّة والمعالم الدينيّة اصوليّة كانت أو فروعيّة ، فمن الجائز حينئذ أن لا يكون