قصّر » ولا مستلزما له ، لما بيّنّا من أنّ عدم الاجتهاد يجامع كلاّ من التقصير والقصور.
هذا كلّه مع توجّه المنع ـ بعد تسليم كون الاجتهاد علّة تامّة للاهتداء ـ إلى كون « السبل » مرادا بها الأمر الحاصل في دار الدنيا ، لجواز كون المراد منها مراتب القرب أو طرق الجنّة ، فيكون الآية حينئذ من أدلّة رجحان الاجتهاد وكونه بنفسه أمرا مطلوبا لله عزّ وجلّ ، وهذا لا ينفي الخطأ عن المجتهد فضلا عن القصور خصوصا عن غيره ممّن لا يقدر على الاجتهاد أو لا يصيب اجتهاده الواقع ولو عاميّا.
والحاصل : أنّه لا تعرّض في الآية بشيء من محتملاتها للتقصير ولا للقصور بإثبات ولا بنفي بمنطوقها ولا مفهومها ، بالقياس إلى المجتهد وإلى غيره ، فلا سبيل إلى إنكار القصور أو نفي وجود القاصر عمّا بين نوع المكلّفين ، فالنزاع فيه ـ إن كان ـ في غاية الضعف والسقوط بل لا أظنّه محقّقا وإن كان محتملا.
وأمّا النزاع في كون كلّ مجتهد في اصول العقائد إذا أخطأ اجتهاده مقصّرا أو قاصرا فهو النزاع الواقع في المسألة كما أشرنا إليه.
والقول بالتقصير هاهنا غير بعيد بل قويّ بل متعيّن ، لأنّ أسباب القصور ـ على ما أشرنا إليها ـ مقصورة على امور مخصوصة يضبطها : فقد المقتضي للوصول إلى الواقع وهو الدليل ، أو انتفاء ما هو من شروط اقتضائه ، أو وجود ما هو من موانعه الّتي منها رسوخ الشبهة في الذهن ، وسبق الإذعان بالباطل عن سبب قهري بالمعنى المرادف لسبق الشبهة إن فسّرت بالاعتقاد الجهلي ، كما ورد به ظاهر بعض الأخبار المصرّح بأنّه : « إنّما سمّيت الشبهة شبهة لأنّها تشبه الحقّ » ، بتقريب : أنّ العلم الّذي يتعلّق بالحقّ عبارة عن انكشاف الواقع والاعتقاد الجهلي أيضا في نظر معتقده انكشاف للواقع ، فمتعلّق ذلك الاعتقاد وإن كان باطلا في نفس الأمر إلاّ أنّه في صورة الحقّ فيشبهه ، أو بالمعنى المغاير له إن فسّرت بصورة الشكّ إذا صارت مستقرّة في الذهن ، كما هو الظاهر المتداول منها في العرف والعادة.
والكلمات المتقدّمة عن أهل القول بالتصويب هنا بين ما يستند في دعوى القصور إلى فقد المقتضي ـ كما تقدّم في الاعتراض على أوّل أدلّة الجمهور من منع وجود الأدلّة القاطعة على هذه المطالب ـ وما يستند إلى وجود المانع بالمعنى الأخير ، كما تقدّم في الاحتجاج لهذا القول من أنّ تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف بما لا يطاق بالبيان الّذي قدّمنا.
ولا ريب أنّ الاستناد إلى كلّ من الوجهين فاسد الوضع وواضح المنع ، فهاهنا مقامان :