المقام الأوّل : في إثبات وجود المقتضي.
فنقول : إنّ القاطع المحكوم بفقدانه إن اريد به ذات الدليل فمنع وجوده من الخرافات الّتي لا ينبغي الإصغاء إليها ، كيف ووقوع التكليف بتحصيل المعارف من ضروريّات الدين بل الأديان كلّها ، وهو من دون طريق يؤدّي إليها تكليف بما لا يطاق.
واحتمال مرجعيّة التقليد فيها ، يدفعه أوّلا : أنّه خروج عن مفروض المسألة وهو المخطئ في نظر واجتهاد.
وثانيا : بطلان القول بالتقليد فيها رأسا على ما سنقرّره في بابه.
وثالثا : عدم تعقّل التقليد فيها إن اريد به المعنى المتداول في الفروع ، فإنّ المقصود بالأصالة من التقليد في الفروع إمّا الالتزام بقول الغير أو تطبيق العمل على مقتضاه وإن لم يستتبع اعتقادا للمقلّد بمقوله ، بخلافه في الاصول الّتي لا يقصد فيها بالذات إلاّ الاعتقاد بل العلم خاصّة على ما سنقرّره ، وهو ليس بأمر اختياري ، وإنّما يترتّب قهرا على سببه الاختياري عند إعماله ، والمفروض انتفاؤه.
وفرض قول الغير بمثابة يكون في نفسه أو بمعونة بعض الامور الداخلة والخارجة كافيا في إفادة الاعتقاد مع عدم اطّراده خروج عن الفرض ، لكون ذلك أيضا نحوا من الدليل الّذي نحن بصدد إثباته ، كما أنّ فرض كون المراد بالتقليد هنا ما هو مصطلح أهل المعقول خروج عن الفرض واعتراف بضدّ المطلوب ، إذ الاعتقاد كائنا ما كان لابدّ له من مستند منحصر فيما هو دليل اصطلاحا.
ورابعا : وجوب انتهاء التقليد إلى النظر والاستدلال اللذين لا يتمّان إلاّ بالدليل حذرا عن التسلسل ، فإنّ الغير الّذي يرجع إلى قوله لا بدّ له من مستند ، فإن كان النظر والاستدلال ثبت المطلوب وإن كان التقليد ننقل الكلام إليه فإمّا أن يتسلسل أو ينتهي إلى الدليل ، مع أنّ نزاعهم الآتي في وجوب النظر أو كفاية التقليد في اصول الدين ينبئ باتّفاقهم على وجود أدلّة فيها يقع النظر عليها ، مع أنّه لو لا وضع الأدلّة على هذه المطالب المقصودة بالأصالة من إيجاد العالم وخلق بني آدم لما تمّت الحجّة على الخلق ، فيؤدّي بعد قبح العقاب بلا إقامة البرهان إلى نقض الغرض.
غاية الأمر أنّ عادته تعالى غير جارية بالجبر والإلجاء ورفع الموانع الغير المستندة إليه بالقهر والغلبة ، وهذا ليس منه إخلالا بوضع الأدلّة ونصب الطرق على قياس ما هو