وعزى في الذكرى إلى بعض قدماء الأصحاب وفقهاء حلب منهم القول بوجوب الاستدلال على العوامّ * وأنّهم اكنفوا فيه بمعرفة الإجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة إلى الوقائع ، أو النصوص الظاهرة ، أو أنّ الأصل في المنافع الإباحة ، وفي المضارّ الحرمة مع فقد نصّ قاطع في متنه ودلالته ، والنصوص محصورة. وضعف هذا القول ظاهر.
وقد حكى غير واحد من الأصحاب : اتّفاق العلماء على الإذن للعوامّ في الاستفتاء من غير تناكر ، واحتجّوا مع ذلك : بأنّه لو وجب على العاميّ النظر في أدلة المسائل الفقهيّة لكان ذلك إمّا قبل وقوع الحادثة ، أو عندها. والقسمان باطلان. أمّا قبلها فبالإجماع ، ولأنّه يؤدّي إلى استيعاب وقته بالنظر في ذلك فيؤدّي إلى الضرر بأمر المعاش المضطرّ إليه.
وأمّا عند نزول الواقعة ، فلأنّ ذلك متعذّر ، لاستحالة اتّصاف كلّ عاميّ عند نزول الحادثة بصفة المجتهدين. وبالجملة فهذا الحكم لا مجال للتوقّف فيه.
__________________
والاستفتاء وتقريرهم وعدم إنكارهم والمدّعى في كلماتهم » (١) وحكي نقل الإجماع عن جماعة من العامّة أيضا.
* كأنّه أراد ببعض قدماء الأصحاب ابن زهرة في الغنية المصرّح بمنع التقليد قائلا فيها : « لا يجوز للمستفتي تقليد المفتي لأنّ التقليد قبيح ، ولأنّ الطائفة مجمعة على أنّه لا يجوز العمل إلاّ بعلم. وليس لأحد أن يقول : قيام الدليل وهو إجماع الطائفة على وجوب رجوع العامي إلى المفتي والعمل بقوله مع جواز الخطأ عليه يؤمنه من الإقدام على القبيح ويقتضي استناد عمله إلى العلم.
لأنّا لا نسلّم إجماعهم على العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه ، كيف وهو موضع الخلاف ، بل إنّما أمروا برجوع العامي إلى المفتي فقط فأمّا ليعمل بقوله فلا.
فإن قيل : فما الفائدة في رجوعه إليه إذا لم يجز العمل بقوله؟
__________________
(١) مفاتيح الاصول : ٥٩٠.