قلنا : الفائدة في ذلك أن يصير له بفتياه وفتيا غيره من علماء الإماميّة سبيل إلى العلم بإجماعهم فيعمل بالحكم على يقين ، يبيّن صحّة ذلك أنّهم أجمعوا على أنّه لا يجوز الاستفتاء إلاّ من إمامي المذهب وإنّما حظّروا استفتاء مخالفه خوفا أن يفتيه بخلاف الحقّ ، فلو كان إيجابهم للاستفتاء من الإمامي لتقليده لم يكن فرق بينه وبين مخالفه الّذي لا يؤمن أن يكون فتياه بغير الحقّ لارتفاع عصمته ، ولأنّ مخالفه يجوز أن يفتيه بمطابقة الحقّ وموافقته ، فيثبت أنّهم إنّما أمروا برجوع المستفتي إلى فقهاء الإماميّة ليحصل لهم العلم بإجماعهم على الحكم فيقطع على صحّته » انتهى.
ونسبه في محكيّ المقاصد العليّة إلى كثير من القدماء وفقهاء حلب كأبي الصلاح وابن حمزة ، وقرّر في محكيّ الذكرى مذهب فقهاء حلب : « بأنّهم أوجبوا على العوامّ الاستدلال واكتفوا فيه بمعرفة الإجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة إلى الوقائع والنصوص الظاهرة ، وإنّ الأصل في المنافع الإباحة وفي المضارّ الحرمة عند فقد نصّ قاطع في متنه ودلالته والنصوص محصورة ».
ومن الفضلاء من قرّر مذهبهم : « بأنّهم أوجبوا على العامي الرجوع إلى عارف عدل يذكر له مدرك الحكم من الكتاب والسنّة ، فإن ساعد لغته على معرفة مدلولهما وإلاّ ترجم له معانيهما بالمرادف من لغته ، وإذا كانت الأدلّة متعارضة ذكر له المتعارضين ونبّهه على طريق الجمع بحمل المنسوخ على الناسخ والعامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد ، ومع تعذّر الجمع يذكر له أخبار العلاج على حذو ما مرّ ، ولو احتاج إلى معرفة حال الراوي ذكر له حاله » (١).
وكيف كان فلا ينبغي التأمّل في سخافة هذا القول وشذوذ قائله مع عدم وضوح حجّته سوى ما أشار إليه ابن زهرة في عبارته المتقدّمة من قبح التقليد وإجماع الطائفة على عدم جواز العمل بغير العلم.
ويزيّفه : أنّ قبح التقليد إن اريد به القبح العقلي على معنى استقلال العقل بإدراك قبحه.
ففيه : أنّ التقليد في حكم العقل من الامور الّتي تقبح تارة وتحسن اخرى وإنّما يختلف بحسب اختلاف الوجوه والاعتبارات ، فإنّما يقبح ممّن أقام عليه في إطاعة الله وامتثال أحكامه مع الشكّ في مشروعيّته ، لرجوعه بالأخرة إلى الإقامة على الشكّ وهو قبيح عقلا على ما قرّرناه في غير موضع ، والقائل بمشروعيّته إنّما يقول بها عن علم لا عن شكّ فيكون حسنا في حكم العقل.
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٤١١.