وإن اريد به القبح الشرعي باعتبار المنع المستفاد من الآيات الدالّة على حرمته ، ففيه : أنّ الآيات ليست إلاّ عمومات قابلة للتخصيص وأدلّة القول بالمشروعيّة ناهضة له.
ومن الفضلاء من أجاب عنها : « بكونها معارضة بالآيات الدالّة على حرمة العمل بالظنّ » (١).
وكأنّه أراد بالمعارضة هنا معارضة الاستدلال بالمثل قبالا لمن يمنع العامي من التقليد ويوجب عليه الاجتهاد المبنيّ في غالب موارده على الظنّ ، وإلاّ فلا تعارض بينهما بالمعنى المصطلح في تعارض الدليلين ، لجواز حرمة كلّ من التقليد والعمل بالظنّ عليه ، مع إمكان كون كلّ منهما حراما باعتبار كونه عملا بما وراء العلم وهو حرام كما أشار إليه ابن زهرة في استدلاله الثاني.
ثمّ التقليد وإن كان من جملة غير العلم لكنّ الإجماع على حرمة العمل به بجميع أفراده وفروضه غير مسلّم ، بل لو لم يكن الإجماع على جواز التقليد بالخصوص كما ادّعاه جماعة من أساطين الطائفة وفي الجملة غير نافع (٢).
والاجتهاد المدّعى وجوبه هنا إن اريد ما هو بالطريق المتعارف بين أهل الصناعة فتعذّره بالقياس إلى غير المحصّلين في الوضوح بحيث لا يحتاج إلى البيان ، بل قد يتعذّر بالقياس إلى كثير من المحصّلين المستحصلين لكثير من مقدّماته ومبادئه ، ووجوبه مع استحصال مقدّماته على تقدير إمكانه لكلّ أحد ـ لكونه مستوعبا لجميع أوقات العمر أو معظمها مع ما فيه من العسر والحرج ما لا يتحمّله الطباع ـ يخلّ بنظام العالم ، ولا يكفي فيه مجرّد معرفة الإجماع على فرض إمكان حصولها للعوامّ من مناقشة العلماء ، وهو فيما أمكن حصول معرفته لا يجدي نفعا في معرفة تفاصيل معقده ، والنصّ القاطع في متنه ودلالته على فرض وجوده وإمكان الاطّلاع عليه للعوامّ في غاية القلّة ، فلا يحصل به عشر من أعشار الفقه والاقتصار عليه والرجوع في غير مورده إلى أصل الإباحة في المنافع يوجب الخروج عن الدين ، مع أنّ تأسيس هذا الأصل وأصالة الحرمة في المضارّ لا يتأتّى إلاّ من ذوي الملكات ، مع عدم مساعدة أفهام كثير من العوامّ على فهم قليل من الأحكام بطريق الاجتهاد ولو اكتفى فيه بتعليم عارف عدل يذكر مدرك الحكم من الكتاب والسنّة ، مع عدم مساعدة أكثر أوقات العالم على تعليم قليل ممّا يحتاج إليه بعض العوامّ.
ومع الغضّ عن جميع ذلك فالمعرفة الحاصلة لهم بهذا الوجه ـ على تقدير تسليمه ـ
__________________
(١) الفصول : ٤١١.
(٢) كذا في الأصل.