ومن الإجماع : ـ فبعد ما سمعت من الإجماعات المنقولة المستفيضة من أساطين الطائفة الّتي هي بانفرادها حجّة مستقلّة المعتضدة بظهور الإجماع القولي ـ بناء المسلمين وعملهم خلفا عن سلف في جميع الأمصار والأعصار من لدن بناء نشر الأحكام إلى يومنا هذا على رجوع العوامّ إلى الفقهاء ومسألتهم ، والأخذ بتفاويهم من دون نكير ولا استنكار على وجه يكشف عن تقرير المعصومين عليهمالسلام ورضاهم ، مع القطع بعدم كون ذلك في جميع فروض المسألة بطريق الرواية ولا التنبيه على مدرك الحكم ، ولا لأجل إحراز دليله ، لعدم استقلال كلّ واحد من آحاد العوام حتّى أهل البوادي والقرى والرساتيق بفهم أصل الحكم ولا استخراجه من المدرك من كتاب أو سنّة أو نحوهما ، ولا تمكّنه من إحراز دليله من إجماع ونحوه.
وبذلك كلّه يندفع ما عرفت عن ابن زهرة في عبارته المتقدّمة من منع كون فائدة الإجماع على وجوب رجوع العامي إلى المفتي العمل بقوله ، للقطع بانتفاء غير هذه الفائدة في معقد الإجماع العملي ، مع قصور أكثر العوامّ عن فهم الإجماع وإحراز مناط حجّيته وعدم إمكان اطّلاعهم عليه بمجرّد الاطّلاع على فتيا المفتين ، مع كون أكثر المسائل خلافيّة ، مع أنّ الإجماعات المنقولة في كلام أساطين الطائفة إنّما نقلت على مجرّد العمل والقبول.
ومن العقل : دليل الانسداد ، فإنّ الأحكام الواقعيّة الثابتة على المجتهدين المعلومة بالإجمال مشتركة بينهم وبين العوامّ ، وباب العلم بها مسدود ، بل انسداده للعوامّ أوضح وموارد فقد طرقه لهم أكثر ، والبناء على أصالة البراءة النافية للتكليف ـ مع استلزامه المخالفة القطعيّة ـ مبنيّ على معرفتها وتأسيسها وفهم أدلّتها ولا سبيل للعوامّ إلى شيء من ذلك ، والعمل بالاحتياط في غالب موارده متعسّر ، وتشخيص موارده لأكثر العوامّ متعذّر إن لم نقل بتعذّره للجميع ، فتعيّن عليهم في امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال الأخذ بقول أهل الخبرة وهم الفقهاء ، مع أنّه نوعا أقرب إلى الواقع من فهم نفسه بحسب نوعه ، للقطع الضروري بأنّ ما يفسده في بناء عمله على فهم نفسه أكثر ممّا يصلحه فيجب في حكم العقل الأخذ به ، ويشهد له رجوع الجاهل في كلّ فنّ وصناعة إلى أهل الخبرة بهما ، بل لزوم رجوع الجاهل إلى العالم والأخذ بقوله من فطريّات الناس كما يدركه المنصف بالوجدان.
ولا فرق في ذلك بين العامي الصرف والعامي العارف بجملة من العلوم وإن تمكّن من استفادة بعض الأحكام من الأخبار الواضحة الدلالة ، لقضيّة الأقربيّة إلى الواقع وإطلاق الإجماعات المنقولة ، مع إمكان دعوى عدم القول بالفصل والإجماع المركّب بل انعقاد السيرة القطعيّة في كلا الفريقين.