فنتيجة الكلام : أنّ الحكم الواقعي في حقّ العامي بالمعنى الأعمّ المكتوب في اللوح المحفوظ هو الرجوع إلى أكمل أهل زمانه والأخذ بقوله ، ولا يجزئه عنه غيره.
والعمدة من دليله بعد الإجماع بقسميه هو العقل بتقريريه ثمّ الأخبار ثمّ الآيات.
لكنّ الإنصاف عدم نهوض الآيات دليلا على هذا الحكم لقصور دلالتها عليه حتّى آية النفر بكلّ من تقريري وجه الاستدلال بها.
أمّا على التقرير الأوّل : فلعدم كون التفقّه فيها من الفقه بالمعنى المعهود المصطلح ليرجع مفاد إيجابه إلى إيجاب الاجتهاد بالمعنى المتضمّن لاستفراغ الوسع في طلب الأحكام من الأدلّة الظنّية ، بل هو جريا على معناه العرفي اللغوي عبارة عن تعلّم الأحكام الحاصل من المشافهين بالأخذ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق المشافهة ، وهذا وإن كان ليس من باب التقليد لكونه أخذا بالحكم الواقعي من بابه وطريقه القطعي ، إلاّ أنّه ليس من باب الاجتهاد بالمعنى المعهود المبنيّ على استحصال عدّة مقدّمات لا يكاد يحصل لكلّ واحد من آحاد المكلّفين ، بل هو نظير أخذ المقلّد من مجتهده بطريق المشافهة المفيد للعلم بفتواه ، وإن غايره في كون الأخذ من المجتهد يستلزم العلم بما أفتى به على أنّه حكم فعلي لا على أنّه حكم واقعي ، والأخذ عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يستلزم العلم به على أنّه حكم واقعي صار فعليّا.
ومن هنا يشكل الحال في الاستدلال بالآية لإثبات مشروعيّة الاجتهاد وأخذها دليلا على وجوبه كفاية كما صنعه جماعة من العامّة والخاصّة ، إلاّ أن يكون مبناه على توهّم تنقيح المناط ، بدعوى : أنّ تعلّم الأحكام إذا وجب على المشافهين بحكم نصّ الآية لزم منه وجوب الاجتهاد على غيرهم ، لأنّه إنّما يجب لوجوب تعلّم الأحكام لا لذاته ، مضافا إلى مقدّمة الاشتراك في التكليف.
غير أنّه يتوجّه إليه : أنّ هذا لو تمّ لقضى بوجوب الأمر المردّد بين الاجتهاد والتقليد ، لأنّ كلاّ منهما في موارد وجوبه إنّما يجب لوجوب تعلّم الأحكام ، فيتطرّق الإجمال إلى الأمر بالتفقّه بالقياس إلى حكم الاجتهاد بالخصوص ، وظهورها في الوجوب كفاية ـ على تقدير تسليمه ـ لا ينهض قرينة على تعيين الاجتهاد ، لأنّ النفور لتعلّم الأحكام تقليدا قد يجب على المقلّدين النائين عن المجتهد فيجوز اختصاصه من كلّ فرقة بطائفة لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بعد تعلّمهم المسائل بطريق التقليد.
وأمّا على التقرير الثاني : فلتطرّق المنع إلى كون الإنذار المأمور به من باب الإفتاء ليكون قبوله من باب التقليد ، إذ كما أنّ الآخذ من النبيّ كالآخذ من المجتهد وإن لم يصدق