على أخذه عنوان التقليد كما عرفت ، فكذلك إرشاده الغير إلى مأخوذاته كإرشاد الآخذ من المجتهد غيره وإن صدق عليه عنوان الإنذار مطلقا أو في بعض الفروض ، وكما أنّ قبول الغير من الثاني ليس تقليدا له في العرف فكذلك قبول الغير من الأوّل فإنّه قد لا يكون تقليدا له ، فالإنذار حينئذ أشبه شيء بالرواية بل قد يكون عينها وإن لم يصرّح المنذر بالنقل عن النبيّ.
ألا ترى أنّ الواسطة في نقل فتوى المجتهد لو قال لمقلّده : « افعل كذا ولا تفعل كذا » أو « أنّ الشيء الفلاني واجب والشيء الفلاني حرام » ينساق منه في العرف كونه ناقلا عن المجتهد ، وكما أنّ الأخذ بقول الواسطة هنا أخذ بقول الأصل بواسطة هذا النقل فكذلك الأخذ بقول الواسطة ثمّة.
وهذا هو السرّ في استدلال كثير من العلماء بالآية لإثبات حجّية خبر الواحد ، فالاعتراض عليهم بأنّها لا تتناول الرواية لظهورها في الفتوى غير صحيح.
وأمّا قصور آية الكتمان : فلأنّ وجوب إظهار الحقّ وإن استلزم وجوب القبول صونا لكلام الحكيم عن منافاة الحكمة ، نظرا إلى أنّه لو لا القبول فائدة مقصودة من إظهار الحقّ لكان إيجابه أمرا بالفعل اللغو الخالي عن الفائدة وهو قبيح مناف لحكمة الحكيم ، غير أنّه لكونه قضيّة معنويّة استفيدت من القضيّة الملفوظة بواسطة الملازمة المذكورة لا عموم فيها وضعا ولا إطلاقا بحيث يشمل صورتي حصول العلم وعدمه ، فوجوب القبول إنّما يثبت على طريقة القضيّة المهملة ، فيجوز اختصاصه بصورة العلم الحاصل عقيب إظهار الحقّ ممّن انكشف عنده الحقّ ولو بمعونة القرائن أو تعاضد بعض ببعض كما في التواتر ، ويكفي ذلك في رفع محذور اللغويّة ومنافاة الحكمة.
مع إمكان أن يقال : إنّ الفائدة في الإظهار إنّما هي المدخليّة في حصول العلم ليترتّب عليه القبول.
ولا ريب أنّ الإظهار من كلّ واحد له مدخليّة في ذلك ولو فرضنا العلم حاصلا مع المجموع كما في التواتر ، فإنّ كلّ واحد على هذا التقدير جزء للسبب المفيد للعلم فيجب الإظهار على كلّ ، لأنّ له مدخليّة إمّا لكونه سببا تامّا أو جزء للسبب ، فلا ينتفي الفائدة لا من المجموع ولا من كلّ واحد ، وعلى هذا فيجوز اختصاص مورد الآية باصول الدين ، ويكون المراد من البيّنات علامات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وشواهد نبوّته الّتي بيّنها الله تعالى لليهود والنصارى في التوراة والإنجيل.
وأمّا آية السؤال : فلأنّها ـ بعد الإغماض عن منع كون المراد من أهل الذكر مطلق أهل