وربّما عزى إلى الأكثر كلام آخر وهو : أنّ الجاهل في الحكم الشرعي غير معذور إلاّ في مسألة الجهر والإخفات ومسألة الإتمام في محلّ القصر.
ويظهر من بعض الأعلام وغيره رجوع ما تقدّم إلى هذا العنوان ، وكأنّه أراد به كونه أحد أفراده كما يرشد إليه استثناء المسألتين وإلاّ فلا ينبغي الاسترابة في الفرق بينهما بالعموم والخصوص ، فإنّ هذا العنوان كما قيل يشمل الواجبات والمحرّمات وماهيّات العبادات وكيفيّاتها ، فإنّ الجاهل قد يترك ما هو بحسب الواقع من الواجبات التعبّدية أو توصّلية ، وقد يرتكب ما هو بحسب الواقع من المحرّمات لجهله بالحكم الشرعي ، وقضيّة عموم هذا العنوان أن لا يكون معذورا على معنى عدم رفع مؤاخذة ترك الواجب وفعل الحرام عنه ، نظرا إلى أنّ العذر عبارة عن رفع المؤاخذة فنفيه يفيد ثبوتها ، بخلاف ما تقدّم فإنّه مقصور على ما لو وقع العبادة بمعناه الأخصّ من الجاهل مع نوع خلل فيها لجهله بتفاصيل ما اعتبر فيها شرعا.
ومن هنا ربّما أمكن فرق آخر بين العنوانين باعتبار حكم القضيّتين ، فإنّ ما تقدّم مسوق لإثبات الإعادة والقضاء في العبادة الباطلة الّذي هو من قبيل الوضع المترتّب على انتفاء الصحّة من غير نظر فيه إلى المؤاخذة بإثبات أو نفي ولذا يعمّ القاصر أيضا ، وهذا مسوق لإثبات المؤاخذة على مخالفة الواقع الّذي هو من لوازم الحكم التكليفي.
وعلى هذا فينبغي اختصاصه بالجاهل المقصّر ، لقبح مؤاخذة القاصر على مخالفة الواقع باعتبار قبح خطاب الغافل ، بل قولهم : « الجاهل في الحكم الشرعي غير معذور » بظاهر هذا العنوان أيضا لا يشمل القاصر ، فلا يقدح فيه كونه معذورا في مخالفته الواقع على معنى كونه مرفوعا عنه المؤاخذة ، فإنّ معنى هذا العنوان أنّ الجاهل بجهله لا يعذر ، ومعناه : أنّ الجهل ليس من الأعذار الرافعة للتكليف المانعة من المؤاخذة على مخالفة [ الواقع ] ، والقاصر حيثما يعذر إنّما يعذر لعجزه عن الامتثال وعدم قدرته على الإطاعة بسبب غفلته.
ولا ريب أنّ العجز وعدم القدرة على الامتثال عذر عقلي رافع للمؤاخذة على مخالفة الواقع ، ولا ينافيه عدم كون الجهل المصادف له بوصف كونه جهلا عذرا ، فلا مانع من تعميم العنوان بحيث يندرج فيه القاصر من حيث جهله المحكوم عليه بعدم كونه عذرا ، فهو من حيث جهله غير معذور وإن كان من حيث قصوره معذورا.
هذا ولكنّ الإنصاف أنّ هذا العنوان أعمّ من العنوان الأوّل موضوعا وحكما ، على معنى