كون المراد بالمعذوريّة المنفيّة ما يعمّ لازم الحكم التكليفي ولازم الحكم الوضعي.
وتوضيحه : أنّ هذا العنوان يحتمل وجوها :
الأوّل : أنّ الجاهل لا يعذر في جهله بالحكم الشرعي وإن طابق عمله الواقع.
الثاني : أنّه لا يعذر في مخالفة عمله الواقع بحيث يسقط عنه الإعادة والقضاء وإن كان قاصرا في جهله.
الثالث : أنّه لا يعذر في مخالفته ومخالفة عمله الواقع بحيث يرتفع عنه المؤاخذة على الأوّل إذا كان مقصّرا أو يسقط عنه الإعادة والقضاء على الثاني مقصّرا كان أو قاصرا.
والأوّل ـ مع أنّه يأباه استثناء مسألتي الجهر والإخفات والقصر والإتمام ـ في غاية البعد ، لابتنائه على كون تحصيل المعرفة والعلم بالأحكام واجبا لنفسه وهو خلاف التحقيق ، ويتلوه الثاني في البعد لما نبّهنا عليه من عموم العنوان لغير موارد التعبّد الّذي لم يعتبر فيه إعادة ولا قضاء.
فالأظهر هو الثالث فيراد بعدم المعذوريّة عدم رفع المؤاخذة على مخالفة الخطاب بالمعنى الدائر بين ما ورد على واجب واقعي تعبّدي أو توصّلي ترك أو حرام واقعي ارتكب ، وما ورد على الإعادة والقضاء في عبادة فعلت على خلاف الواقع.
وعليه فالنظر في المعذوريّة وعدمها في محلّ البحث إن كان إلى رفع المؤاخذة على مخالفة الواقع وعدمه فالأقوى فيه الفرق بين المقصّر فليس بمعذور والقاصر فيكون معذورا.
وإن كان إلى سقوط الإعادة والقضاء فالأقوى فيه الفرق بين المطابقة فالمعذوريّة وعدمها فعدم المعذوريّة ، ومرجعه إلى عدم الفرق بين العبادات بعد إحراز النيّة وقصد القربة فيها وبين المعاملات في عدم مدخليّة أحد الطريقين في الصحّة وعدم اعتبار قصد الوجه ومعرفته فيها ، بل الصحّة فيهما منوطة بمطابقة المشروع وعدمها ، فالعبادة الصادرة من الجاهل بقصد القربة حيثما طابقت الواقع كانت صحيحة ولازمها سقوط الإعادة والقضاء ، وحيثما لم تطابق الواقع كانت باطلة ولازمها لزوم الإعادة والقضاء من غير فرق في الحكمين بين المقصّر والقاصر ، فهاهنا مقامان :
أمّا المقام الأوّل : فلنا على عدم معذوريّة الجاهل المقصّر في مخالفة الأحكام الواقعيّة ما ذكرناه في غير موضع من كفاية العلم الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي في تنجّز