التكليف ، على معنى صيرورة الخطابات المعلومة بالإجمال تكاليف فعليّة على المكلّف شاغلة لذمّته على وجه يترتّب على موافقتها ومخالفتها الثواب والعقاب.
وبالجملة شرط تنجّز التكليف وترتّب الآثار عليه في نظر العقل والعرف إنّما هو العلم الإجمالي بصدور الخطاب من المولى مع التمكّن من العلم التفصيلي بخصوص الحكم المسوق لإفادته هذا الخطاب كما تنبّه عليه بعض الفضلاء ، ولذا يحسّن العقل المستقلّ مؤاخذة العالم بالإجمال المتمكّن من التفصيل على مخالفته الحكم الواقعي المندرج في معلوماته بالإجمال ويصحّهها ، ويرشد إليه من جهة العرف مثال الطومار الصادر من السلطان إلى رعيّته مع اطّلاع البعض على صدوره وعدم رجوعه إليه لمعرفة تفاصيله وعدم اطّلاع بعض آخر عليه أصلا فصادف مخالفتهما لبعض الأحكام المندرجة فيه حيث يصحّ مؤاخذة الأوّل دون الثاني ، وليس هذا إلاّ لإقامة الحجّة على الأوّل باعتبار تحقّق شرط تنجّز التكليف في حقّه دون الثاني.
ويدلّ عليه أيضا من جهة الشرع ما عليه العدليّة ونطق به الكتاب والسنّة من كون الكفّار مكلّفين بفروع الشريعة كما أنّهم مكلّفون باصولها ، فيعاقبون عليها كما يعاقبون على الاصول مع جهلهم بتفاصيل أكثر الفروع بل كلّها ، ولو لا الاكتفاء بالعلم الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي لما صحّ ذلك.
ويستفاد ذلك أيضا من الروايات الواردة في موارد خاصّة :
منها : ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ رجلا جاء إليه فقال له : إنّ لي جيرانا لهم جواز تغنّين ويضربن بالعود ، فربّما دخلت المخرج فاطيل الجلوس استماعا لهنّ ، فقال عليهالسلام : لا تفعل ، فقال : والله ما هو شيء أتيته برجلي إنّما هو سماع منّي أسمعه باذني ، فقال عليهالسلام : أنت أما سمعت الله يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) وقال الرجل : كأنّي لا أسمع بهذه الآية من كتاب الله عزّ وجلّ من عربي ولا عجمي ، لا جرم فإنّي قد تركتها وإنّي أستغفر الله ، فقال عليهالسلام : « قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك ، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوء حالك لو متّ على ذلك ، استغفر الله واسأله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنّه لا يكره إلاّ القبيح فالقبيح دعه لأهله ، فإنّ لكلّ أهلا ».
فانظر في صراحة دلالة هذا في مواضع متكرّرة على كون الرجل مقيما على معصية عظيمة مع جهله بخصوص الحكم ، وليس هذا إلاّ لتمكّنه من المعرفة والسؤال