وتركه له تقصيرا بعد علمه إجمالا.
وبالجملة فالجاهل المقصّر لعلمه الإجمالي بأنّ في الشريعة خطابات إلزاميّة إيجابيّة وتحريميّة يترتّب المؤاخذة والعقوبة على مخالفتها لا يأمن في تروكه من الوقوع في ترك واجب ولا في أفعاله من الوقوع في فعل محرّم ، فكأنّه لتركه تحصيل المعرفة والعلم التفصيلي مع إمكانه أقدم اختيارا على مخالفة تلك الخطابات المعلومة بالإجمال ، فأصل المعصية بالنسبة إلى كلّ واقعة واقعة وإن حصل في زماني الترك والفعل ، إلاّ أنّ اختيار تلك المعصية بحسب الواقع حصل في زمان ترك تحصيل المعرفة والعلم.
وإن شئت قلت : إنّه ترك حكمي للواجب وفعل حكمي للحرام ، نظير ما قيل في مقدّمات الواجب إذا ترك قبل مجيء وقته من أنّه ترك حكمي له فيستحقّ العقاب عليه من حين تركها لعلمه بأنّه يفضي إلى تركه في وقته.
وبالجملة فالأصل في تنجّز التكليف كائنا ما كان كفاية العلم الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي ، إلاّ ما دلّ الدليل على اعتبار العلم التفصيلي في تنجّزه بالخصوص ، وقد جعل بعض الفضلاء من هذا الباب معذوريّة الجاهل ولو مقصّرا في مسألتي الجهر والإخفات والإتمام في موضع القصر ، وفيها وجوه اخر تقدّم ذكرها في بحث الضدّ ولعلّ أظهرها ما رجّحه كاشف الغطاء فراجع وتأمّل.
ولنا على معذوريّة القاصر فيما يتحقّق منه من مخالفة الأحكام الواقعيّة أنّه غافل ، وتكليف الغافل قبيح ، ومؤاخذته على مخالفته أقبح ، وهذا أوضح.
وأمّا المقام الثاني : فلنا على ما اخترناه من الفرق بين مطابقة الواقع فالصحّة ومخالفته فالبطلان ـ مضافا إلى ما قرّرناه في مسألة الإجزاء من اقتضاء الأمر الواقعي الاختياري والأمر الواقعي الاضطراري والأمر الظاهري الشرعي في كثير من صوره الإجزاء دون الأمر الظاهري العقلي مطلقا ـ تتبّع الأخبار الغير المحصورة المأثورة عن أهل بيت العصمة الواردة في جميع أبواب العبادات من الطهارات الثلاث والصلوات المفروضات والمسنونات وغيرها في وقائع وقعت بمقتضى الأسئلة الموجودة فيها الآمرة تارة بالإعادة والقضاء والنافية اخرى لهما أو للبأس بألفاظ مترادفة وعبارات متقاربة ، فإنّها في القسم الأوّل ردّ على من أطلق القول بالمعذوريّة ، وفي القسم الثاني على من أطلق القول بعدم المعذوريّة ، فهي بأجمعها حجّة على الفريقين في إطلاقهما ، إذ لا يعقل جهة للأوّل إلاّ مراعاة عدم وقوع