وبيان ذلك أنه لمّا كانت الفرائض كالصفات واللوازم للإيمان بالله ورسوله ، فالأيمان بهما عنوان ذات الوجود بل حقيقته ، والفرائض كلّها بعده صفات له ، ولو لزم كان التكليف بالإيمان ، ووجوده سابق على التكليف بالفرائض ، ووجودها واقعاً ذاتاً سبق العلّة والموصوف والأصل والملزوم على المعلول والصفة واللّازم في جميع مراتب وجودهما ، فلا تحقّق في رتبة من رتب الوجود المعلول بلا علّته ، ولا صفة بلا موصوفها ، ولا فرع بلا أصله ، ولا لازم بلا ملزومه ؛ إذ التحقيق أن لا لازم أعمّ بل مساوٍ ، ولا اسم بلا مسمى ، ولا مظهر بلا ظاهر.
فمعنى الحديث أنّهم مكلّفون بالأصل أوّلاً وبالذات ؛ لأنه تكليف الحقيقة والوجود ، وبالفروع ثانياً وبالتبعيّة ؛ لأنّ الأصل صفة الذات ، والفرع صفة صفتها. انظر إلى أحاديث الذرّ (١) ، وإلى ترتيبها ، فإنّ الله تعالى أخذ على العباد العهد بالإقرار له بالربوبيّة ، ولمحمّد : بالرسالة ، ولخلفائه بالإمامة والولاية قبل أن يؤجّج لهم نار التكليف فيأمرهم بالوثوب فيها.
وهذا مطابق لما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله : في ترتيب دعوته الخلق بعد البعثة ، فإنْ لم يظهر التكليف بالولاية ؛ لأنّها نتيجة وغاية ، والنهاية عين البداية ، فالعبادة فرع معرفة المعبود ، فإنّها صفتها وفرعها وحكايتها ، كما قال الحسين عليهالسلام : « إنّ الله عزوجل ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه ». فقال له رجل : يا ابن رسول الله ، بأبي أنت وأُمّي فما معرفة الله؟ قال معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته (٢).
ففي الحقيقة التكليف بالإيمان تكليف بجميع الفرائض ، فلا يتوهّم بينهما انفكاك زمانيّ ، بل سبق بالرتبة والشرف والعلّيّة ؛ ولذا ورد في تفسير الأمانة (٣) أنها الولاية (٤)
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٣٦ / ١ ـ ٢ ، و ١ : ٤٤١ / ٦ ، و ٢ : ١٠ / ١ ، و: ١٢ / ١.
(٢) علل الشرائع ١ : ١٩ ـ ٢٠ / ١ ، بحار الأنوار ٥ : ٣١٢ / ١.
(٣) الواردة في قوله تعالى : ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ .. ) الأحزاب : ٧٢.
(٤) تفسير القمّي ٢ : ١٩٨.