فأوّل ما يعرف المكلّف نفسه يقول : أنا ، ويميل إلى الفعل والأمر دون الانفعال والائتمار ، فشأنها تصوير ما لا أصل له في الوجود وابتداعه ، فلم تزل الأمّارة تشتدّ فعليّتها إلى زمن البلوغ أو قريب منه ، فيظهر أثر شعاع العقل ، ولكنّه مقهور بالأمّارة ؛ لقوّتها حينئذٍ وضعفه. وهي لا تميل إلّا إلى المعصية ؛ لأنّها فعل ، ولأنّها مناسبة لها ومشاكلة.
وأوامر الشرع حينئذٍ فعل وقهر لها ، واستعباد وحبس لها عن مقتضى ذاتها ، ومادّة آلتها بل مادّتها ، فمن أجل ذلك تجد أكثر النفوس حتّى الأطفال مائلة لفعل المعصية والبدعة والشبهة ؛ لما بينهما من المناسبة والمشاكلة. ممتنعةً عن قبول الأوامر الشرعيّة ؛ لما بينهما من المباينة ، ولضعف العقل وانقهاره حينئذٍ ، ولما فيها عليها من لزوم ذلّ العبوديّة بعد رسوخ حبّ القاهريّة والاستقلال والأمر والنهي.
فالطاعة صعود ، والمعصية هبوط. والطاعة انفعال وقبول لأنها من الله ، والمعصية فعل لأنّها من الشيطان. فالخمر والميسر رجس من عمل الشيطان (١). ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (٢).
فما منها [ من ] (٣) ] الهبوط والفعل أخفّ وأشهى لها وعليها من أضدادها ، [ فبهذا ] (٤) ظهر سرّ تسارع النفوس أكثرها إلى قبول المعصية والباطل والميل إليه ، ونفرة أكثر النفوس من قبول أوامر الشرع ومناهيه ، والله العالم.
__________________
(١) إشارة إلى ما في سورة المائدة : ٩٠.
(٢) النساء : ٧٩.
(٣) في المخطوط : ( و ).
(٤) في المخطوط : ( فبهلا ).