بين الدنيا والآخرة.
وإن أدخلناها في الدنيا على النظر الجليل ، فلعلّه أراد أن الدنيا من حيث هي لا تتحقّق وتصلح ويكمل فيها الاختيار والاختبار والحجّة البالغة إلّا بتحقّق وجود دولة للجهل ، وسلاطينها من شياطين الإنس وطواغيتهم ، ليعبد الله فيها سرّاً. ودولة للعقل وسلاطينها الذين هم حجج الله على خلقه ، ليظهر بهم دينه ويعبد فيها الله جهراً ، وإن اختصّ كلّ دولة بزمان ، فأشار إلى الكلّيّتين.
ولمّا كانت أيّام القائم عجّل الله فرجه لا تكون إلّا بعد تميّز الذهب من التراب ، والدهن من اللبن ومزايلة الطينتين ، وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وتقع المزايلة المشارُ لها في قوله عزّ اسمه ( لَوْ تَزَيَّلُوا ) (١) ، كانت سلطنة الجهل وسلطنة الطواغيت هي السابقة في دار التكليف ؛ لتكمل الحجّة وتتّضح المحجّة ، ويكمل الاختيار ويظهر الاختبار. ولأنّ المزايلة لا تكون إلّا بعد الممازجة والخلط. والنتيجة لا تتحقّق نتيجة إلّا بعد المقدّمات ، وإلّا لم تكن نتيجة ، ولم يقطع بحقّيّتها. فلا يرد أن دولة آل محمَّد عليهمالسلام ليس فيها سلطان جور ، بل الحكم كلّه لله العليّ الكبير ، والله العالم.
__________________
(١) الفتح : ٢٥.