لا يمكن فيها وجود نفي ولا إثبات بوجه ، بل لا يمكن [ اجتماع ] النقيضين ، بل يرتفعان ، فلا حكم هناك ولا لا حكم ، وكان من شأنه الوجود والرحمة خلق خلقاً ألبسه جميع صفات جلاله وجماله ، وفوّض إليه جميع أحكامه ، ليدلّ به عباده عليه ويهديهم به إليه ، فخلطه بنفسه ، وجعل أمره أمره ، ونهيه نهيه ، ورضاه رضاه ، وغضبه غضبه ، وأسفه أسفه ، وطاعته طاعته ، ومعصيته معصيته ، وولايته هي ولاية الله العظمى ؛ لأنه حامل لوائها ، وجعل (١) جنبه ووجهه وعينه وأُذنه ويده وقلبه محل مشيئته إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كلمات أهل العصمة (٢).
كلّ ذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز في الحقيقة ، مثال ذلك أن نفسك لمّا ألبست قواك وجوارحك ثوب قدرتها ، ظهرت منها وبها أفعالها فصحّ نسبة أفعالها إليها ، وجميع ما ينسب لقواك وجوارحك من الأفعال إنّما هي صفات نفسك وأفعالها ، وكلّ من فعل لجسدك شيئاً إنّما يفعله لنفسك التي أنت بها ، أنت والجسد سبيل إليها.
والملوك يضعون بعض العبيد لإنفاذ مناهيهم وأوامرهم تكرّماً عن مباشرة ما لا يليق بدواة الملوك ، وتمتّعاً بحجاب العزّة والعظمة ، فتدين له الرعية لمّا ألبسه الملك ثوب عزّه وهيبته وجلاله ، فلو عزله سقطت هيبته ، واستخفّ بأمره ، ما ذلك إلّا لأن هيبته وجلاله وقدرته وأمره ونهيه هو هيبة الملك ، وقدرته وأمره ونهيه حقيقة ، وخيانته ومصاحبة عدوه خلع لولاية الملك.
فما ورد في تأويل قوله عزّ اسمه وتعالى : ( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) الآية ، من أن المراد : وإذا ذكر عليّ عليهالسلام : وحده بالولاية ، وفي تأويل ( إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) بـ : إذا دعي عليّ عليهالسلام : وحده بولاية الله وأمثالهما يراد به : وإذا ذكر وليّ الله وإذا دعي وليّ الله ، وحذف المضاف شائع. ولعل السرّ في حذف المضاف هو إظهار حقيقة الأمر في المجاز ، وأن ما يثبت أو ينفى
__________________
(١) في المخطوط : جعله.
(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٩١ ـ ٢٠٣.