تسدّده ولا تفارقه ، وأنّها عمود من نور بينه وبين الله تسمّى بروح القدس من باب الاشتراك اللفظيّ ، أو من باب التشريك ، وهي أعظم من جبرئيل : وجميع الملائكة ، وهي خلق غير الملائكة ، بها ينزلون وإن كان جبرئيل : أيضاً روح مقدّسة ، فلا منافاة.
ولا ينافي كون روح القدس خلقاً أعظم من الملائكة ؛ لأنه عقل المعصوم أو روحه المختصّ به الذي هو مناط عصمته ونور خياله ، وتسميته ملكاً ، فقد أُطلق على المؤمنين أنهم ملائكة من الملك ؛ لأنّهم يملكون العلم من آل محمَّد صلىاللهعليهوآله : ، فلعلّ هذا من ذلك الاشتقاق ؛ لأنّهم خزّان علم الله ، أو لأنّهم ملوك الدنيا والآخرة ، أو أن معنى الملكيّة متحقّق لهم ؛ لأن كمالات جميع الخلق من فاضل كمالهم.
وأمّا تفسير الروح بـ ( لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله ) ؛ فلأنّ [ هذه (١) ] عبارة تجمع توحيد الله في كلّ مقام ، الذي هو مبدأ الوجود وأوّل الفيوض ، فهي روحهم المقدّسة في كلّ مقام ، ولكلّ مخلوق من فاضلها قسط بحسب وسعه وقابليّته ورتبته ، وهو وجوده الفائض من فاطره ، فما استعبد الله الخلق إلّا بها كلّاً بقدر وسعه منها ، وهو جوده البحت ، وتوحيده الخالص وسائر التكاليف فاضله وصفاته وشؤونه وفروعه ، والله العالم.
بقي الكلام في أنه ورد بطرق كثيرة كما في ( البصائر ) وغيره أنه لما سئل أبو عبد الله : عليه سلام الله عن قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (٢) الآية قال ملك ، منذ أنزل الله ذلك الملك لم يصعد إلى السماء ، وكان مع رسول الله صلىاللهعليهوآله : وهو مع الأئمّة يسدّدهم (٣).
وبسند آخر عنه سلام الله عليه أنه قال لمّا سُئِل عن الآية : « منذ أنزل الله ذلك الروح على محمَّد صلىاللهعليهوآله : لم يصعد إلى السماء ، وإنّه لفينا » (٤).
وهذا المضمون مستفيض ، فما معنى لم يصعد إلى السماء؟
__________________
(١) في المخطوط : ( هذا ).
(٢) الشورى : ٥٢.
(٣) بصائر الدرجات : ٤٥٦.
(٤) بصائر الدرجات : ٤٥٧ / ١١.