وإليه ، لم تخرج ولن تخرج عن حقيقة عبوديّتها له ، فهي بجميع شؤونها ملك لله وحده ، لم يسبقها إليه سابق ، ولا يلحقها لاحق ، ليس بينها وبين الله سبب وحجاب سواها ، فهي سبب الأسباب لربّ الأرباب.
فمعنى قول زين العابدين عليهالسلام : « لَكَ يَا إلهِي وَحْدَانِيّةُ العَدَدِ » أن وحدانيّة العدد التي هي أصل الكثرات ، وعنصر المعدودات والوحدات ، وبها قوامها بل هي أرقاها ملك لك وخلق ، وحدك لا شريك لك. ووقع بذكرها الاهتمام من الإمام لأنّ بها القوام ، وهي رابطة عقد النظام في كلّ مقام. وفيه إشارة إلى إبطال قول بعض الملحدين في أسمائه : ( إن أُصول الأعداد الحقيقية هي الصانع ) ، تعالى الله عمّا يقول المشبّهون علوّاً كبيراً. فبطل ما توهّم بعضهم من أن وحدانيّة العدد صفة لله تعالى وتقدّست أسماؤه.
وهذا يردّه العقل والنقل ؛ لما يستلزمه من التشبيه والتركيب تعالى الله عنهما. وممّا يصرّح بإبطاله قول أمير المؤمنين : عليه سلام الله في وقعة الجمل للأعرابي كما رواه في ( معاني الأخبار ) (١) وغيره (٢) ، حيث قال : أتقول أن الله واحد؟ فقال سلام الله عليه ـ يا أعرابي ، إنّ القول في أنّ الله تعالى واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، ووجهان يثبتان فيه :
فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد. فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، ألا ترى أنّه كفر من قال : ثالث ثلاثة؟ وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد النوع من الجنس. فهذا ما لا يجوز ؛ لأنه تشبيه ، وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.
وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه. كذلك ربّنا.
وقول القائل : إنّه عزوجل أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزوجل.
فافهم ولا تتوهّم ، والله العالم.
__________________
(١) معاني الأخبار : ٥ ـ ٦ / ٢.
(٢) التوحيد : ٨٣ / ٣.