الإمضاء ؛ لأنه حينئذٍ لا بداء.
وحاصله أنه إذا وصل إلى هذه الرتبة فلا بداء في تقديمه ولا في تأخيره.
ومنها : أن الواجب تعالى منزّه ومقدّس عن النقص في ذاته وصفاته وأفعاله من كلّ وجه ، فليس في أمره قهر لا إيجاداً ولا تكليفاً ولا موتاً ولا حياةً ولا رزقاً ، يمنّ على كلّ شيء بما يقبله وسعه اختياراً ، فإذا جاء أجل كلّ امّة لا يطلبون التأخّر ولا التقدّم باختيارهم ؛ لعدم طاقتهم وقابليّتهم لذلك فلا يختارونه. ولأنّ من وافى إن كان على الفطرة جاد بنفسه لما ينكشف عن بصر بصيرته ، فلا يطلب التأخّر ولا الاستقدام ؛ لأنه يرضى بما يرضاه الله له ، بل يختار ما يرضاه الله على ما ترضاه نفسه. وإن كان على غير الفطرة فهو يطلب الاستئخار على هذا يطلبه الكافر ولا يطلب التقدّم ، والمؤمن على العكس من ذلك.
بقي السؤال عن وجه تقديم نفي التأخّر على نفي التقدّم؟ وهل التقدّم معطوف على جملة الشرط والجزاء ، أو على الجزاء وحده؟
فنقول وبالله المستعان ـ : لعلّ الوجه في تقديم نفي التأخّر أن طلب الاستئخار أهمّ ؛ لأنه أوضح فائدةً من الآخر ؛ ولأنّ النفوس بطباعها وفطرها تكره الموت وتحبّ البقاء ، وتكره مفارقة المألوف من الحياة الدنيا.
فالمألوف انس النفوس به ، وكراهيّتها فراقه لا تخفى ، والعادات قهّارات ، فوصف حالهم يقتضي هذا الترتيب.
وأيضاً البقاء في نفسه أهون من الإيجاد ، والسكون أهون من الحركة ، والاستقرار أهون من الانتقال ، وظهور الرتبة الثانية والصورة الأُخرى في المادّة في نفسها أشقّ وأغمض من الأُولى.
أو لأنّ نفي طلب الدنيا بعد معاينة جمال الأُخرى أظهر وأولى من العكس. هذا بالنسبة إلى المؤمن ، فَرُوعِيَ في الترتيب حاله لشرفه ، ولأنّ كون الكافر إنّما هو بالتبعيّة له.