نوره ، فهو نور أشرق على الناقص من الكامل بحسب رتبة قربه منه ، فهو فيض منه ، وإفاضته استكمالٌ واستفاضة ، وهكذا حقيقة الأمل تكميل للأدنى واستكمال واستفاضة من المبدأ الفيّاض بوسط وغير وسط ، فكل آمر مفيض على مَن دونه مكمّل له مستفيض ممّن فوقه مستكمل ، حتّى ينتهي الأمر إلى الآمر الحقيقيّ وهو [ الله (١) ] سبحانه الحقّيّ الغنيّ عمن سواه ، والمفتقر إليه مَنْ سواه.
فالدعاء من قوس ( يحبّونه ) ، والأمر من قوس ( يحبّهم ). ويمكن إدخال الأوّل في الثاني بوجه. والالتماس لا يخرج عنهما ؛ لما بينهما من التقابل ، أو هو كالبرزخ. وبذلك ظهر الفرق بين الدعاء والنهي ، فهما استكمال وتكميل أيضاً ، إلّا إنه برفع الموانع والمنافيات ، الذي هو عين وجود نقائضها وأضدادها بوجه ، وأقلّه الاستعداد بالفعل لقبول الضدّ أو النقيض.
والحاصل أن الدعاء بـ ( افعل ) أو ( لا تفعل ) هو نهاية حقيقة الداعي وتكليفه بوجه في الظهور ، فإنّ آخر مراتبه الوجوديّة والتكليفيّة هو الحسّي المتعلّق بالجوارح المحسوسة والحاسّة المحسوسة ، فهو نهاية مراتب ظهور ذكره الأوّل وظهوره وفعليّته به ، وهو النور الذي خلق منه. فكما أن حقيقته إيجاد واستمداد وقبول اختياري بحسب طاقته ووسعه ، فصفته وتكليفه هو طلبه بحقيقته الأمداد والبقاء على الفطرة الأوّليّة ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (٢) [ التي (٣) ] فيها ترتفع المنافيات ، وبها وعندها تتحقّق فعليّة السبيلين ، وتكمل القدرة على الاختيار.
فآخر مراتب ظهوره واستكماله الوجوديّ طلبه الجسميّ بلسانه اللحميّ وبجميع جوارحه الحسّيّة الجسميّة. والأمر والنهي صفة الفاعليّة ، كما أن الدعاء صفة المفعوليّة ، وحقيقة المفعول من حيث هما كذلك ، والله العالم.
__________________
(١) في المخطوط : ( أمره ).
(٢) الروم : ٣٠.
(٣) في المخطوط : ( الذي ).