ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذّابين أقام (١) في الوجود وظهرت له شوكة ، ولكن لم يتمّ له أمره ولم تطل مدّته ، بل سلّط عليه الرسل ومحقوا أثره واستأصلوا شأفته ، هذه سنّة الله في عباده منذ قامت الدنيا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. انتهى ملخّصاً ، بحيث لا يشذّ من معناه شيء ، بل أكثر العبارة بحروفها.
وقد استغنم الظفر بهذا بعض من تمنّى بهواه هدم أساس مذهب الشيعة ، فكتب عليه ما صورته : ( تفكّر في هذه الحجّة ، وافطن أن مثلها وارد في شأن الرافضة في دعوة الإمامة ، وأنّها حقّ لعليّ : ثمّ لولده من بعده ، وأنّهم قهروا وغصبوا إلى يوم القيامة ، ثمّ مع ذلك إذا ذكر الغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين ، يقولون : كيف هذا ، ونحن نرى الدولة تارة تكون لأهل السنّة وتارة تكون للرافضة في بلدان عديدة؟
وبيان الفساد أن الدولة إنّما تكون لإمام الطائفة وإلّا فلا يستقيم كون الطائفة في عزّة ، وإمام الطائفة في الذلّ باعترافكم ، فلو كان كما تقولون لزم الإمام القيام عند ذلك ؛ للعزّ ، ولكن ليس لهم إلّا الذلّ والخزي في الدارين ، فتدبّره فإنّه نفيس جدّاً ) ، انتهى.
وأقول وبالله الاعتصام ـ : قد تدبّرناه بأدنى ملاحظة في حال شدّة الاشتغال ، وتلاطم أمواج البلبال ، وتراكم سحائب الزلزال ، فوجدناه مبنيّاً على شفا جُرف هارٍ فانهار به في نار جهنّم ، من وجوه :
الأوّل : (٢) أن أصله الذي عوّل عليه ، وأخلد إليه مبنيّ على أن من بغى على الله وعصاه وتقوّل عليه لا تمدّ له دولة ولا تعلو له كلمة ولا يتمكّن من أسباب النصر ، بل لا بدّ من أن يعاجله بالعقوبة والاستئصال ، وأن علوّ الكلمة وتيسير أسباب النصر وظهور القهر والغلبة وطول مدّتها دليل على [ حقيّة (٣) ] الدعوة ، وأن امتداد دولة المفتري على الله وظهور كلمته وتيسير أسباب النصر له ينافي قدرة الله وعدله وحكمته بل وجوده.
وهذه الحجّة مع كونها واهية هاوية في نفسها ، لا تتمّ حجّة على الرافضة في
__________________
(١) كذا في المخطوط.
(٢) في المخطوط : ( أحدها ).
(٣) في المخطوط : ( حقيقة ).