دليل جارٍ في المدّ أيضاً ، فإنّه يستلزم إسقاط حرف إلى ستّة أحرف بيقين. هذا مع أنه منافٍ لكلام أهل العربيّة.
قال ابن الحاجب : ( الإدغام أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرّك من مخرج واحد من غير فصل ) (١). وأقرّه على ذلك كافّة شرّاح كلامه (٢).
وأنا لي في أصل المسألة كلام هو أنه لا يخلو إدغام أحد الحرفين في الآخر ؛ إمّا أن يكون لإعدام أحدهما بالكليّة ، وليس كذلك إجماعاً ، وإلّا لما كان فرق بين المشدّد وغيره ، والفرق محسوس.
أو بتداخلِ الحرفين وامتزاج أحدهما بالآخر. واتّحادُ الاثنين وصيرورتُهما شيئاً واحداً باطل عقلاً ونقلاً ، كما قرّر في الحكمة ؛ لأنه يلزم من فرضه رفعه والبيان في غير هذا الفن أو بالإتيان بحرفين متعاقبين متمايزين في النطق ، بحيث يتكرّر إخراجهما من المخرج الواحد. وهذا يلزمه أن يكون بينهما سكت ما يحسّ به ذو الذوق السليم من نفسه بلازم تحقّق التمايز بينهما حينئذٍ حسّا. وليس كذلك ؛ لتحقّق الفرق بين النطق بهما كذلك.
والنطق بالمدغم أو بحذفهما معاً والإتيان بحرف آخر يشبههما زمان النطق به أقصر من زمان النطق بالحرفين ، وأطول من زمان النطق بالحرف الواحد. وليس كذلك ، لمغايرته لمفهوم لفظ الإدغام ، ولمنافاته ، ولما يفهم قطعاً من مقاصد أهل الصناعة كما يظهر على فطنة المتأمل.
فإذن الإدغام : إلصاق أحد الحرفين بالآخر إلصاقاً شديداً حتّى يتّصل النطق بهما فيصير في الحسّ كأنّه نطق واحد وإخراج واحد بحيث لا يتميّز عنده النطق بأحدهما عن الآخر ، وكأنّهما عنده خرجا من المخرج دفعة بسبب شدّة الاتّصال والتلاصق. فإطلاق الإدغام عليه إذن مجاز لغويّ صار حقيقة عرفيّة ، وبدون هذا لا
__________________
(١) شرح شافية ابن الحاجب ( المتن ) ٣ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، شرح النظّام ( المتن ) : ٣٣١.
(٢) شرح شافية ابن الحاجب ( الأسترآبادي ) ٣ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، شرح شافية ابن الحاجب ( النظام ) : ٣٣١.